0

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
فقد قال المصنف رحمه الله :

حديث رقم – 388-
( صحيح ) حدثنا أبو عمار حدثنا الوليد قال وحدثنا أبو محمد رجاء قال حدثنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي قال حدثني الوليد بن هشام المعيطي قال حدثني معدان بن طلحة اليعمري قال لقيت ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له :   دلني على عمل ينفعني الله به ويدخلني الجنة فسكت عني مليا ثم التفت الي فقال عليك بالسجود فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من عبد يسجد لله سجدة إلا رفعه الله بها درجة وحط عنه بها خطيئة )
 
حديث رقم – 389-
( صحيح ) قال معدان بن طلحة : فلقيت أبا الدرداء فسألته عما سألت عنه ثوبان فقال عليك بالسجود فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :   ما من عبد يسجد لله سجدة إلا رفعه الله بها درجة وحط عنه بها خطيئة ) 
 
قال معدان بن طلحة اليعمري : ويقال بن أبي طلحة ، قال : وفي الباب عن أبي هريرة وأبي أمامة وأبي فاطمة قال أبو عيسى حديث ثوبان وأبي الدرداء في كثرة الركوع والسجود حديث حسن صحيح وقد اختلف أهل العلم في هذا الباب فقال بعضهم طول القيام في الصلاة أفضل من كثرة الركوع والسجود وقال بعضهم كثرة الركوع والسجود أفضل من طول القيام وقال أحمد بن حنبل قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا حديثان ولم يقض فيه بشيء وقال إسحاق أما في النهار فكثرة الركوع والسجود وأما بالليل فطول القيام إلا أن يكون رجل له جزء بالليل يأتي عليه فكثرة الركوع والسجود في هذا أحب الي لأنه يأتي على جزئه وقد ربح كثرة الركوع والسجود قال أبو عيسى وإنما قال إسحاق هذا لأنه كذا وصف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل ووصف طول القيام وأما بالنهار فلم يوصف من صلاته من طول القيام ما وصف بالليل .
 
لا يزال الحديث عن اختلاف العلماء حول مسألة فضل القيام في الصلاة على السجود والركوع أم فضل السجود والركوع على القيام ؟
 
وهذا الحديث الذي معنا وهو حديث ثوبان رضي الله عنه يستفاد منه فوائد من بينها :
أن قوله ( فلبث مليا ) الملي : هو قطعة من الزمن لا يحدد "
 
فلو قال شخص " انتظري مليا " فإنه في مثل هذه الحال لا يكون الزمن محددا ، ولذلك لما أتى جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسأله عن مراتب الدين عن ( الإسلام الإيمان والإحسان ) وجاء في صورة رجل ( شديد سواد الشعر ) إلى آخر ما ذُكر من أوصافه ، قال عمر رضي الله عنه ( فلبثتُ مليا ) ثم أخبره النبي صلى الله عليه وسلم بأنه جبريل .
 
فـ ( الملي ) هنا قطعة من الزمن لا يدرى مدتها ، لكن في رواية أخرى أنه أخبره ( بعد ثلاثة أيام ) فدل هذا على أن كلمة ( الملي ) قطعة من الزمن لا تحدد إلا إذا جاء نص يحدد ذلك ، وقد يكون هذا الزمن طويلا وقد يكون قصيرا  ، ومعلوم أنه في مثل هذا الحديث أنه لن ينتظر به مدة طويلة من الزمن حتى يخبره .
 
ومن الفوائد :
بيان فضل السجود وأن من سجد لله عز وجل رفع الله له بهذه السجدة درجة وحط عنه خطيئة ، وهذا الحديث شامل للسجود الذي في الصلاة ، ولسجود الشكر ولسجود التلاوة الذي هو خارج الصلاة ، لأنه أطلق هنا ، فأي سجدة يسجدها لله سبحانه وتعالى يكون بذلك حاصلا على هذا الأجر .
 
ومن الفوائد :
أن فيه دليلا لمن قال من العلماء إن السجود أفضل من القيام ، تكمن أفضليته في هذا الحديث .
 
ثانيا : قوله تعالى { وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ }العلق19 ، فجمع بين السجود والاقتراب ، فدل على أن العبد يقرب من الله عز وجل إذا سجد .
 
ثالثا : أن الله عز وجل قدمه في قوله {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً }الزمر9 .
 
رابعا : حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند مسلم ( أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ) والقرب يدل على الأفضلية .

خامسا : قول النبي صلى الله عليه وسلم ( إذا مر ابن آدم بالسجدة فسجد قال الشيطان يا ويله ، أمر ابن بالسجود فسجد فله الجنة وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار ) وهناك أحاديث أخرى تدل على أفضلية السجود .
 
وهذا يدل على الكثرة ، ولذلك قال ( عليك بالسجود ) فـ ( عليك ) أسلوب حث للتكثير من السجود .
 
وأما من يقول بأن القيام أفضل : –
والمقصود من القيام " القيام في الصلاة " لحديث جابر رضي الله عنه ( قيل للنبي صلى الله عليه وسلم أي الصلاة أفضل ؟ قال طول القنوت )
 
بم يجيبون عن هذا ؟
 
يقولون : إن أفعل التفضيل أتى في القيام ولم يأت في السجود فدل على أنه الأفضل ، يعني لما سئل صلى الله عليه وسلم ( أي الصلاة أفضل ؟ قال طول القنوت ) 
 
وأما كون السجود أفضل فهو لاعتبار واحد ، ما هو ؟
 
قالوا : باعتبار أنه موطن يدعى فيه الله عز وجل ، ولذلك في الحديث ( أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا من الدعاء فقَمِنٌ أن يستجاب لكم )
 
ومن العلماء من يقول : إن الركوع والسجود في صلاة النهار أفضل من القيام ، وأما بالنسبة إلى الليل فيختلف ، فيكون طول القيام أفضل من الركوع والسجود ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أطال القيام في الليل ما لم يفعله في النهار ، اللهم إلا إذا كان الإنسان لديه وردٌ يقرأه بالليل فإنه ولا شك سيطيل القيام ، فيقال في مثل هذه الحال أنت أطلت القيام إذاً أطلْ الركوع والسجود لأنك تظفر بالحسنيين .
 
فخلاصة القول في هذه المسألة :
 
أن من العلماء من يرى : أن طول القيام أفضل مطلقا بالليل وبالنهار .
 
ومنهم من يرى : أن كثرة الركوع والسجود أفضل مطلقا ، بالليل وبالنهار، ولهؤلاء أدلة ولهؤلاء أدلة .
 
ومنهم من يرى : أن الفضل يكون في طول القيام بالليل ، وطول الركوع والسجود بالنهار إلا إذا كان لدى الإنسان وردٌ يصلي به في الليل هنا يكون السجود والركوع أفضل في حقه ليجمع بين الحسنيين .
 
القول الرابع :وهو القول الفصل – وهو معتاد إذا اختلف العلماء يأتي كلام المحققين الذين يجمعون بين القولين ، وهو كلام شيخ الإسلام رحمه الله ، وله في مثل هذا التوجيه من حيث النوعية له كلام في مسائل شتى تتعلق بأشياء أخرى ، من بينها " هل العشر الأواخر من رمضان أفضل أم العشر الأوائل من شهر ذي الحجة ؟ "
 
هنا يقول شيخ الإسلام رحمه الله " لا أفضلية لركوع وسجود على القيام ، ولا لقيام على الركوع والسجود " وإنما كل له فضل باعتبار ، فيقول رحمه الله " إن القيام أفضل باعتبار الذكر الذي فيه " وهو قراءة القرآن .
 
والركوع والسجود أفضل باعتبار " الهيئة التي فيه " وهي هيئة الذل والانكسار بين يدي الله عز وجل .
 
فما عليك إلا أن تكثر – على قوله – إلا أن تكثر منهما كليهما ، فإن أكثرت من القيام وتاقت نفسك إلى أن تقرأ كثيرا فأنت على خير ، وإن تاقت نفسك إلى أن تكثر من الركوع والسجود فأنت على خير ، وإن جمعت بينهما فهذا خير على خير .

إرسال تعليق

 
Top