قال البخاري: قال أبو العالية: صلاة اللّه تعالى ثناؤه عليه عند الملائكة،
وصلاة الملائكة الدعاء، وقال ابن عباس: يصلون يبركون، وقال سفيان الثوري:
صلاة الرب الرحمة، وصلاة الملائكة الاستغفار، والمقصود من هذه الآية، أن
اللّه سبحانه وتعالى أخبر عباده بمنزلة عبده ونبيه عنده في الملأ الأعلى،
بأنه يثني عليه عند الملائكة المقربين، وأن الملائكة تصلي عليه، ثم أمر
تعالى أهل العالم السفلي بالصلاة والتسليم عليه، ليجتمع الثناء عليه من أهل
العالمين العلوي والسفلي جميعاً، قال ابن عباس: إن بني إسرائيل قالوا
لموسى عليه السلام: هل يصلي ربك؟ فناداه ربه عزَّ وجلَّ: يا موسى سألوك هل
يصلي ربك فقل نعم، أنا أصلي وملائكتي على أنبيائي ورسلي، فأنزل اللّه عزَّ
وجلَّ على نبيه صلى اللّه عليه وسلم: { إن اللّه وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً} ""أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عباس"". وقد أخبر سبحانه وتعالى بأنه يصلي على عباده المؤمنين في قوله تعالى: { هو الذي يصلي عليكم وملائكته} الآية، وقال تعالى: { أولئك عليهم صلوات من ربهم}
الآية، وفي الحديث: (إن اللّه وملائكته يصلون على ميامن الصفوف)، وقد
جاءت الأحاديث المتواترة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالأمر بالصلاة
عليه، ونحن نذكر منها إن شاء اللّه ما تيسر، روى البخاري عند تفسير هذه
الآية عن كعب بن عجرة قال: قيل يا رسول اللّه أما السلام عليك فقد عرفناه
فكيف الصلاة؟ قال: (قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل
إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل
إبراهيم إنك حميد مجيد). وروى ابن أبي حاتم عن كعب بن عجرة قال: لما نزلت { إن اللّه وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً}
قال: قلنا يا رسول اللّه قد علمنا السلام عليك فكيف الصلاة عليك؟ قال:
(قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل
إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم
وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد)، ومعنى قولهم: أما السلام عليك فقد عرفناه
هو الذي في التشهد وفيه: السلام عليك أيها النبي ورحمة اللّه وبركاته.
حديث آخر: وروى البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه قال: قلنا: يا
رسول اللّه هذا السلام عليك فكيف نصلي عليك؟ قال: (قولوا اللهم صل على محمد
عبدك ورسولك كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما
باركت على آل إبراهيم). حديث آخر: قال مسلم عن أبي مسعود الأنصاري قال:
أتانا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ونحن في مجلس سعد بن عبادة فقال له
بشير بن سعد: أمرنا اللّه أن نصلي عليك يا رسول اللّه فكيف نصلي عليك؟ قال:
فسكت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتى تمنينا أنه لم يسأله، ثم قال
رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد
كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل
إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، والسلام كما قد علمتم) ""أخرجه مسلم
وأبو داود والنسائي"". ومن ههنا ذهب الشافعي رحمه اللّه إلى أنه يجب على
المصلي أن يصلي على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في التشهد الأخير، فإن
تركه لم تصح صلاته، على أن الجمهور على خلافه وحكوا الإجماع على خلافه
وللقول بوجوبه ظواهر الحديث، فلا إجماع في هذه المسألة لا قديماً ولا
حديثاً، واللّه أعلم. فضائل الصلاة على النبي صلى اللّه عليه وسلم روى أبو
عيسى الترمذي عن عبد اللّه بن مسعود أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم
قال: (أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة) ""تفرد بروايته الترمذي
وقال: حديث حسن غريب"". حديث آخر: ""وروى الترمذي عن أبي بن كعب"" قال: كان
رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا ذهب ثلثا الليل قام فقال: (يا أيها
الناس اذكروا اللّه اذكروا اللّه، جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت
بما فيه جاء الموت بما فيه) قال أبي: قلت يا رسول اللّه إني أكثر الصلاة
عليك فكم أجعل لك من صلاتي؟ قال: (ما شئت) قلت الربع، قال: (ما شئت فإن زدت
فهو خير لك) قلت: فالنصف قال: { ما شئت فإن زدت فهو
خير لك قلت: فالثلثين، قال: (ما شئت فإن زدت فهو خير لك) قلت أجعل لك صلاتي
كلها، قال: (إذن تكفى همك ويغفر لك ذنبك). طريق أخرى: روى الإمام أحمد عن
عبد الرحمن بن عوف قال: قام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فتوجه نحو
صدقته فدخل فاستقبل القبلة فخر ساجداً فأطال السجود حتى ظننت أن اللّه قد
قبض نفسه فيها فدنوت منه ثم جلست فرفع رأسه فقال: (من هذا) قلت: عبد
الرحمن، قال: (ما شأنك؟) قلت: يا رسول اللّه سجدت سجدة خشيت أن يكون اللّه
قبض روحك فيها، فقال: (إن جبريل أتاني فبشرني أن اللّه عزَّ وجلَّ يقول لك
من صلى عليك صليت عليه ومن سلم عليك سلمت عليه فسجدت للّه عزَّ وجلَّ
شكراً). حديث آخر: قال الإمام أحمد عن عبد اللّه بن أبي طلحة عن أبيه: أن
رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم جاء ذات يوم والسرور يرى في وجهه، فقالوا
يا رسول اللّه إنا لنرى السرور في وجهك، فقال: (إنه أتاني الملك فقال: يا
محمد أما يرضيك ربك عزَّ وجلَّ يقول: إنه لا يصلي عليك أحد من أمتك إلا
صليت عليه عشراً، ولا يسلم عليك أحد من أمتك إلا سلمت عليه عشراً قلت: بلى)
""أخرجه أحمد ورواه النسائي بنحوه"". حديث آخر: روى مسلم وأبو داود
والترمذي عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه
وسلم: (من صلى عليَّ واحدة صلى اللّه عليه بها عشراً). حديث آخر: قال
الإمام أحمد عن قيس مولى عمرو بن العاص قال: سمعت عبد اللّه بن عمرو يقول:
من صلى على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم صلاة صلى اللّه عليه وملائكته
لها سبعين صلاة، فليقلَّ عبد من ذلك أو ليكثر، وسمعت عبد اللّه بن عمرو
يقول: خرج علينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوماً كالمودع، فقال: (أنا
محمد النبي الأمي - قاله ثلاث مرات - ولا نبي بعدي، أوتيت فواتح الكلام
وخواتمه وجوامعه، وعلمت كم خزنة النار وحملة العرش، وتجوز بي عوفيت وعوفيت
أمتي، فاسمعوا وأطيعوا ما دمت فيكم، فإن ذهب بي فعليكم بكتاب اللّه أحلوا
حلاله وحرموا حرامه). حديث آخر: قال الإمام أحمد عن أنس قال: قال رسول
اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (من صلى علي صلاة واحدة صلى اللّه عليه عشر
صلوات وحط عنه عشر خطيئات). حديث آخر: قال الإمام أحمد عن علي بن الحسين عن
أبيه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (البخيل من ذكرت عنده ثم لم
يصل عليّ). حديث آخر: قال إسماعيل القاضي عن أبي ذر رضي اللّه عنه أن رسول
اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (إن أبخل الناس من ذكرت عنده فلم يصل
عليّ)، وروى عن الحسن البصري أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (بحسب
امرئ من البخل أن أذكر عنده فلا يصلي عليّ). حديث آخر: قال الترمذي عن أبي
هريرة قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (رغم أنف رجل ذكرت عنده
فلم يصل عليَّ، ورغم أنف رجل دخل عليه شهر رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له،
ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخلاه الجنة) ""أخرجه الترمذي
وقال: حسن غريب ورواه البخاري بنحوه"". وهذا الحديث والذي قبله دليل على
وجوب الصلاة على النبي صلى اللّه عليه وسلم كلما ذكر، وهو مذهب طائفة من
العلماء منهم الطحاوي والحليمي؛ وذهب آخرون إلى أنه تجب الصلاة عليه في
المجلس مرة واحدة، ثم لا تجب في بقية ذلك المجلس، بل تستحب، ويتأيد بالحديث
الذي رواه الترمذي عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: (ما
جلس قوم مجلساً لم يذكروا اللّه فيه ولم يصلوا على نبيهم إلا كان عليهم
تِرَةَ ""ترة: مكروهاً وحسرة"" عليهم يوم القيامة، فإن شاء عذبهم وإن شاء
غفر لهم)، وحكي عن بعضهم: أنه إنما تجب الصلاة عليه - عليه الصلاة والسلام -
في العمر مرة واحدة امتثالاً لأمر الآية، ثم هي مستحبة في كل حال، وهذا هو
الذي نصره القاضي عياض بعدما حكى الإجماع على وجوب الصلاة عليه صلى اللّه
عليه وسلم في الجملة. فصل وأما الصلاة على غير الأنبياء، فإن كانت على سبيل
التبعية كما تقدم في الحديث: اللهم صل على محمد وآله وأزواجه وذريته، فهذا
جائز بالإجماع، وإنما وقع النزاع فيما إذا أفرد غير الأنبياء بالصلاة
عليهم، فقال قائلون: يجوز ذلك، واحتجوا بقول اللّه تعالى: { هو الذي يصلي عليكم وملائكته} ، وبقوله: { أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة} ، وبقوله: { خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم}
الآية. وبحديث عبد اللّه بن أبي أوفى قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه
وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: (اللهم صلِّ عليهم) فأتاه أبي بصدقته
فقال: (اللهم صل على آل أبي أوفى) ""أخرجاه في الصحيحين""، وقال الجمهور من
العلماء: لا يجوز إفراد غير الأنبياء بالصلاة، لأن هذا قد صار شعاراً
للأنبياء إذا ذكروا، فلا يلحق بهم غيرهم، فلا يقال: قال أبو بكر صلى اللّه
عليه، أو قال علي صلى اللّه عليه، وإن كان المعنى صحيحاً، كما لا يقال: قال
محمد عزَّ وجلَّ، وإن كان عزيزاً جليلاً، لأن هذا شعار ذكر اللّه عزَّ
وجلَّ، وحملوا ما ورد في ذلك من الكتاب والسنّة على الدعاء لهم، ولهذا لم
يثبت شعاراً لآل أبي أوفى ولا لجابر وامرأته، وهذا مسلك حسن. وأما السلام،
فقال الجويني من أصحابنا: هو في معنى الصلاة فلا يستعمل في الغائب ولا يفرد
به غير الأنبياء، فلا يقال: علي عليه السلام، وسواء في هذا الأحياء
والأموات، وأما الحاضر فيخاطب به فيقال: سلام عليك وسلام عليكم أو السلام
عليك أو عليكم، وهذا مجمع عليه، انتهى ما ذكره. قلت : وقد غلب هذا في عبارة
كثير من النساخ للكتب أن يفرد علي رضي اللّه عنه بأن يقال عليه السلام من
دون سائر الصحابة أو كرم اللّه وجهه؛ وهذا وإن كان معناه صحيحاً لكن ينبغي
أن يسوى بين الصحابة في ذلك فإن هذا من باب التعظيم والتكريم، فالشيخان
وأمير المؤمنين عثمان أولى بذلك منه رضي اللّه عنهم أجمعين، قال عكرمة عن
ابن عباس: لا تصح الصلاة على أحد إلا على النبي صلى اللّه عليه وسلم، ولكن
يدعى للمسلمين والمسلمات بالمغفرة، وكتب عمر بن عبد العزيز رحمه اللّه: أما
بعد فإن ناساً من الناس قد التمسوا الدنيا بعمل الآخرة، وإن ناساً من
القصاص قد أحدثوا في الصلاة على خلفائهم وأمرائهم عَدْلَ الصلاة على النبي
صلى اللّه عليه وسلم، فإذا جاءك كتابي هذا، فمرهم أن تكون صلاتهم على
النبيين، ودعاؤهم للمسلمين عامة ويدعوا ما سوى ذلك ""قال ابن كثير: أثر
حسن"". فرع: قال النووي: إذا صلى على النبي صلى اللّه عليه وسلم فليجمع بين
الصلاة والتسليم، فلا يقتصر على أحدهما فلا يقول: صلى اللّه عليه فقط، ولا
عليه السلام فقط. وهذا الذي قاله منتزع من هذه الآية الكريمة وهي قوله: { يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً} فالأولى أن يقال صلى اللّه عليه وسلم تسليماً.
إرسال تعليق