0

٢٨ - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:((من لا يَرحم لا يُرحم))؛ متفق عليه.

ﻟﻠﺤﺪﻳﺚ ﺳﺒﺐ؛ ﺫﻟﻚ ﺃﻥ ﺍﻟﻨﺒﻲ - صلى الله عليه وسلم - قبَّل ﺍﻟﺤﺴﻦ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ، ﻭﻋﻨﺪﻩ الأﻗﺮﻉ ﺑﻦ ﺣﺎﺑﺲ ﺍﻟﺘﻤﻴﻤﻲ جالسًا، ﻓﻘﺎﻝ الأﻗﺮﻉ: ﺇﻥ ﻟﻲ ﻋﺸﺮﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﻟﺪ، ﻣﺎ قبَّلتُ ﻣﻨﻬﻢ أحدًا، ﻓﻨﻈﺮ ﺇﻟﻴﻪ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ - صلى الله عليه وسلم - ﺛﻢ ﻗﺎﻝ: ((من لا يَرحم لا يُرحم)).

ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﺑﺎﻟﻨﺎﺱ، ﺑﻞ ﺑﺎﻟﺤﻴﻮﺍﻥ، ﻋﺎﻃﻔﺔ ﺷﺮﻳﻔﺔ ﻭﺧﻠﻴﻘﺔ ﻣﺤﻤﻮﺩﺓ، ﻭﻟﻘﺪ ﻣﺪﺡ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻬﺎ ﺭﺳﻮﻟﻪ ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ: ﴿بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة: 128]، ﻭﺿﺪﻫﺎ ﺍﻟﻘﺴﻮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻋﺎﻗﺐ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﻴﻬﻮﺩ ﻟﻤﺎ ﻧﻘﻀﻮﺍ ﺍﻟﻌﻬﻮﺩ؛ ﺇﺫ ﻳﻘﻮﻝ: ﴿ فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ﴾ [المائدة: 13]،ﻓﺎﻟﺮﺣﻤﺔ ﻓﻀﻴﻠﺔ، ﻭﺍﻟﻘﺴﻮﺓ ﺭﺫﻳﻠﺔ.

ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﺗﻜﻮﻥ بالأﺑﻨﺎﺀ، ﻭﺃﺛﺮﻫﺎ: ﺗﻘﺒﻴﻞ ﻭﻣﻌﺎﻧﻘﺔ؛ ﻛﻤﺎ ﺻﻨﻊ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ - صلى الله عليه وسلم - ﺑﺎﻟﺤﺴﻦ.

ﻭﺗﺄﺩﻳﺐ ﻭﺗﺮﺑﻴﺔ ﻭﺇﺟﺎﺑﺔ ﺭﻏﺎﺋﺐ - ﻣﺎ ﺩﺍﻣﺖ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﻤﺼﻠﺤﺔ - ﻭﺇﺑﻌﺎﺩ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﺮ.

ﻭﺗﻜﻮﻥ بالآباء ﻭالأﻣﻬﺎﺕ، ﻭﺃﺛﺮﻫﺎ: ﻗﻮﻝ ﻛﺮﻳﻢ، ﻭﺻﻨﻊ ﺟﻤﻴﻞ، ﻭﻃﺎﻋﺔ ﻓﻲ ﻏﻴﺮ ﻣﻌﺼﻴﺔ، ﻭﺧﺪﻣﺔ ﺻﺎﺩﻗﺔ؛ ﴿ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ [الإسراء: 24].

ﻭﺗﻜﻮﻥ بالأﻗﺮﺑﺎﺀ، ﻭﺃﺛﺮﻫﺎ: بِرٌّ ﻭﺻﻠﺔ، ﻭﺯﻳﺎﺭﺓ ﻭﻣﻮﺩﺓ، ﻭﺳﻌﻲ ﻓﻲ ﻣﺼﻠﺤﺔ، ﻭﺩﻓﻊ ﻟﻤﻀﺮﺓ.

ﻭﺗﻜﻮﻥ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺰﻭﺝ ﻭﺯﻭﺟﻪ، ﻭﺃﺛﺮﻫﺎ: عِشرة ﺑﺎﻟﻤﻌﺮﻭﻑ، ﻭﺇﺧﻼﺹ ﻣﺘﺒﺎﺩﻝ، ﻭﺃلا ﺗﺮﻫﻘﻪ ﺑﺎﻟﻄﻠﺒﺎﺕ، ولا ﻳﻜﻠﻔﻬﺎ ﺑﺎﻟﻤﺮﻫﻘﺎﺕ، ﺑﻞ ﻳﻌﺎﻭﻧﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺷﺆﻭﻥ ﺍﻟﻤﻨﺰﻝ ﻭﺗﺮﺑﻴﺔ الأولاﺩ ﺑﺎﻟﺨﺪﻡ ﻣﺎ ﺩﺍﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺎﻝ ﺳﻌﺔ، ﺃﻭ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻓﻲ ﻭﻗﺘﻪ ﻓﻀﻞ.

ﻭﺗﻜﻮﻥ ﺑﺄﻫﻞ ﺩﻳﻨﻚ، ﺗﺮﺷﺪﻫﻢ إلى ﺍﻟﺨﻴﺮ، ﻭﺗﻌﻠﻤﻬﻢ ﻣﺎ ﺗﻌﻠﻤﺖ، ﻭﺗﺄﺧﺬ ﺑﻬﻢ ﻋﻦ ﺍﻟﻠﻤﻢ إلى ﺍﻟﺴﺒﻴﻞ الأﻫﻢ، ﻭﺗﻌﻤﻞ ﻟﻌﺰﻫﻢ ﻭﺩﻓﻊ ﺍﻟﻤﺬﻟﺔ ﻋﻨﻬﻢ.

ﻭﺗﻜﻮﻥ ﺑﺎﻟﻨﺎﺱ جميعًا، ﻓﺘﺤﺐ ﻟﻬﻢ ﻣﺎ ﺗﺤﺐ ﻟﻨﻔﺴﻚ، ﻭﺗﻜﺮﻩ ﻟﻬﻢ ﻣﺎ ﺗﻜﺮﻩ ﻟﻬﺎ.

ﻭﺗﻜﻮﻥ ﺑﺎﻟﺤﻴﻮﺍﻥ، ﻓﺘﻘﺪﻡ ﻟﻪ ﺃﻛﻠﻪ ﻭﺷﺮﺑﻪ، ﻭﺗﺪﺍﻭﻱ ﺟﺮﺣﻪ، ولا ﺗﻜﻠﻔﻪ عسيرًا، ولا ﺗﺤﻤﻠﻪ ثقيلاً.

ﻓﺈﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﺧﻠﻴﻘﺘﻚ، ﺭﺣﻤﻚ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻛﻤﺎ ﺭﺣﻤﺘﻬﻢ، ﻭﻛﺎﻧﻮﺍ ﻟﻚ ﻛﻤﺎ ﻛﻨﺖ ﻟﻬﻢ، ﻭﺭﺣﻤﻚ ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ ﻓﺄﺳﺒﻎ ﻋﻠﻴﻚ ﻧﻌﻤﻪ ﻇﺎﻫﺮﺓ ﻭﺑﺎﻃﻨﺔ، ﻭﺇﻥ ﺗﺮﻛﺘﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﺴﺎﻭﺓ ﻗﺴﺖ ﻋﻠﻴﻚ ﺍﻟﺨﻠﻴﻘﺔ، ﻓﺈﻥ ﻧﺎﺑﺘﻚ ﻧﺎﺋﺒﺔ، ﺃﻭ ﺣﻠﺖ ﺑﻚ ﺿﺎﺋﻘﺔ، ﺃﻏﻀﻮﺍ ﻋﻨﻚ ﻭﻓﺮﻭﺍ ﻣﻨﻚ، ﻓﺘﺠﺮﻋﺖ ﻭﺣﺪﻙ ﺻﺎﺑﻬﺎ، ﻭصلِيتَ ﻧﺎﺭﻫﺎ، ﻭﻛﺬﻟﻚ ﻳﺼﻨﻊ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻚ، ﻳﺮﻓﻊ ﻋﻨﻚ ﺭﺣﻤﺘﻪ، ﻓﺈذًا ﺃﻧﺖ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻓﻲ ﻣﻌﻴﺸﺔ ﺿﻨﻚ، لا ﺗﻨﻌﻢ ﺑﻌﺰﺓ ﺃﻭ ﻫﻨﺎﺀﺓ، ﻭﻓﻲ الآﺧﺮﺓ لا ﻳﻨﻈﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﺇﻟﻴﻚ ولا ﻳﻜﻠﻤﻚ، ﻭﻟﻚ ﺍﻟﻌﺬﺍﺏ ﺍﻟﻬﻮﻥ جزاءً ﺑﻤﺎ ﺍﻛﺘﺴﺒﺖ، ﻓﺎﺭﺣﻢ ترحم، ﻭﻛﻦ ﻟﻠﻨﺎﺱ ﻳﻜﻮﻧﻮﺍ ﻟﻚ، ﻭﺗﺨﻠﻖ ﺑﺨﻠﻖ ﺍﻟﻠﻪ ﻳﺮﻓﻊ ﺷﺄﻧﻚ، ويُعلِ ﻧﻔﺴﻚ، ﻭﺍﻟﻠﻪ لا ﻳﻀﻴﻊ ﺃﺟﺮ ﺍﻟﻤﺤﺴﻨﻴﻦ؛ والله أعلم.

[ﻣﻦ ﻛﺘﺎﺏ الأﺩﺏ ﺍﻟﻨﺒﻮﻱ - ﻣﺤﻤﺪ ﻋﺒﺪﺍﻟﻌﺰﻳﺰ ﺍﻟﺨﻮﻟﻲ].


إرسال تعليق

 
Top