0
د. نايف بن أحمد الحمد

 
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد فإنه لما كان الشيطان عدونا الأول الذي أخرج أبوينا من الجنة وقد أقسم بعزة الله أن يغوينا أجمعين قال تعالى ( قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ) (ص:83) وقد جاء تحذير الشارع وأمره بالاستعاذة منه في مواضع عديدة لذا فقد جمعت ما تيسر لي من الآيات والأحاديث وأقوال أهل العلم مع تعليق يسير فأقول مستعينا بالله تعالى :

معناها:
قال ابن القيم رحمه الله تعالى : " اعلم أن لفظ " عاذ " وما تصرف منها يدل على التحرز والتحصن والنجاة , وحقيقة معناها : الهروب من شيء تخافه إلى من يعصمك منه , ولهذا يسمى المستعاذ به معاذا كما يسمى ملجأ ووزرا " بدائع الفوائد 2/426
والاستعاذة هي: الاستجارة أي أستجير بالله دون غيره من سائر خلقه من الشيطان أن يضرني في ديني أو يصدني عن حق يلزمني لربي. تفسير ابن كثير 1/16 وقال ابن القيم رحمه الله تعالى : " ومعنى أستعيذ بالله : أمتنع به وأعتصم به وألجأ إليه " ا.هـ إغاثة اللهفان 1/91
وقال ملا علي القاري رحمه الله تعالى : " يعني : اللهم احفظني من وسوسته وإغوائه وخطواته وخطراته وتسويله وإضلاله، فإنه السبب في الضلالة والباعث على الغواية والجهالة " ا.هـ مرقاة المفاتيح 2/448 وانظر : عون المعبود 2/131

أما الشيطان فمعروف قال ابن كثير رحمه الله تعالى مبينا معنى الكلمة: " الشيطان في لغة العرب مشتق من شطن إذا بعد فهو بعيد بطبعه عن طباع البشر وبعيد بفسقه عن كل خير. وقيل مشتق من شاط لأنه مخلوق من نار . ومنهم من يقول كلاهما صحيح في المعنى, ولكن الأول أصح وعليه يدل كلام العرب " ا.هـ التفسير 1/31 وانظر : تاج العروس مادة ( شطن ) وتفسير القرطبي 1/140 شرح النووي على مسلم 6/91 المجموع شرح المهذب 2/3 وتفسير الرازي 1/27 تفسير أبي السعود 1/39 تفسير البيضاوي 1/175 تفسير الألوسي 1/651 المطلع على أبواب المقنع 1/70
و ( الرجيم ) فعيل بمعنى مفعول، أي المطرود من باب الله أو المشتوم بلعنة الله . مرقاة المفاتيح 2/448 تفسير ابن كثير 1/31 عون المعبود 2/131 تفسير القرطبي 1/141

فائدة الاستعاذة
قال ابن القيم رحمه الله تعالى : " فإن الاستعاذة به منه ترجع إلى معنى الكلام قبلها مع تضمنها فائدة شريفة وهي كمال التوحيد وأن الذي يستعيذ به العائذ ويهرب منه إنما هو فعل الله ومشيئته وقدره فهو وحده المنفرد بالحكم فإذا أراد بعبده سوءا لم يعذه منه إلا هو فهو الذي يريد به ما يسوؤه وهو الذي يريد دفعه عنه فصار سبحانه مستعاذا به منه باعتبار الإرادتين ( وَإِن يَمْسَسْكَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ فلا كَاشِفَ لَهُۥۤ إلا هُوَ ) فهو الذي يمس بالضر وهو الذي يكشفه لا إله إلا هو فالمهرب منه إليه والفرار منه إليه واللجأ منه إليه كما أن الاستعاذة منه فإنه لا رب غيره ولا مدبر للعبد سواه فهو الذي يحركه ويقلبه ويصرفه كيف يشاء " ا.هـ طريق الهجرتين 1/431

الاستعاذة لا تكون إلا بالله تعالى
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى : " الاستعاذة لا تكون إلا بالله في مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم ( أعوذ بوجهك ) و ( أعوذ بكلمات الله التامات ) و ( أعوذ برضاك من سخطك ) ونحو ذلك وهذا أمر متقرر عند العلماء " ا.هـ الفتاوى 35/273
وقال رحمه الله تعالى: " إنما يستعاذ بالخالق تعالى وأسمائه وصفاته ولهذا احتج السلف كأحمد وغيره على أن كلام الله غير مخلوق فيما احتجوا به بقول النبي صلى الله عليه وسلم ( أعوذ بكلمات الله التامات ). قالوا: فقد استعاذ بها ولا يستعاذ بمخلوق " الفتاوى 1/336 و8/127و15/227وانظر: التمهيد 24/109 فتح الباري 13/381
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: " المستعاذ به هو الله ... وحده رب الفلق ورب الناس ملك الناس إله الناس الذي لا ينبغي الاستعاذة إلا به ولا يستعاذ بأحد من خلقه بل هو الذي يعيذ المستعيذين ويعصمهم ويمنعهم من شر ما استعاذوا من شره وقد أخبر الله تعالى في كتابه عمن استعاذ بخلقه أن استعاذته زادته طغيانا ورهقا فقال حكاية عن مؤمني الجن ( وَأَنَّهُۥ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ ٱلإنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ ٱلْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ) جاء في التفسير أنه : كان الرجل من العرب في الجاهلية إذا سافر فأمسى في أرض قفر قال : أعوذ بسيد هذا الوادي من شر سفهاء قومه فيبيت في أمن وجوار منهم حتى يصبح أي فزاد الإنس الجن باستعاذتهم بسادتهم رهقا أي طغيانا وإثما وشرا يقولون سدنا الإنس والجن . والرهق في كلام العرب : الإثم وغشيان المحارم . فزادوهم بهذه الاستعاذة غشيانا لما كان محظورا من الكبر والتعاظم فظنوا أنهم سادوا الإنس والجن " ا.هـ بدائع الفوائد 2/429 وانظر : تفسير الطبري 29/102 ابن كثير 8/251 الدر المنثور 8/296

ويحك عذ بالله ذي الجلال *** والمجد والنعماء والأفضال
ووحد الله ولا تبال *** ما هول ذي الجن من الأهوال

معجم الطبراني الكبير ( 4166) أسد الغابة 4/35 تاريخ دمشق 18/244 مجمع الزوائد 8/450

وقد أمرنا الله جل جلاله بالاستعاذة من الشيطان في مواضع عديدة من كتابه :
قال الله تعالى : ( خُذِ العَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ (199)وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200)) [الأعراف : 200] قال ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى : " يعنـي جلّ ثناؤه بقوله: وَإمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ وإما يغضبنك من الشيطان غضب يصدّك عن الإعراض عن الـجاهلـين ويحملك علـى مـجازاتهم ( فـاسْتَعِذْ بـاللّهِ ) يقول: فـاستـجر بـالله من نزغه. ( إنَّهُ سَمِيعٌ عَلِـيـمٌ ) يقول: إن الله الذي تستعيذ به من نزع الشيطان سميع لـجهل الـجاهل علـيك ولاستعاذتك به من نزغه ولغير ذلك من كلام خـلقه، لا يخفـى علـيه منه شيء، علـيـم بـما يذهب عنك نزغ الشيطان وغير ذلك من أمور خـلقه " ا.هـ التفسير 9/106
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى : " ولما كان الشيطان على نوعين: نوعٍ يُرى عياناً، وهو شيطان الإنس ، ونوعٍ لا يُرى ، وهو شيطان الجن ، أمر سبحانه وتعالى نبـيه أن يكتفي من شر شيطان الإنس بالإعراض عنه ، والعفو ، والدفع بالتي هي أحسن ، ومن شيطان الجن بالاستعاذة بالله منه ، وجمع بـين النوعين في سورة «الأعراف» وسورة «المؤمنين» وسورة «فصلت» والاستعاذة في القراءة والذكر أبلغ في دفع شر شياطين الجن ، والعفو والإعراض والدفع بالإحسان أبلغ في دفع شر شياطين الإنس

فما هو إلا الاستعاذة ضارعا *** أو الدفع بالحسنى هما خير مطلوب
فهذا دواء الداء من شر ما يُرى *** وذاك دواء الداء من شر محجوب

" ا.هـ زاد المعاد 2/462

وقال ابن كثير رحمه الله تعالى : " إن الله تعالى يأمر بمصانعة العدو الإنسي والإحسان إليه ليرده عنه طبعه الطيب الأصل إلى المودة والمصافاة، ويأمر بالاستعاذة به من العدو الشيطان لا محالة إذ لا يقبل مصانعة ولا إحساناً ولا يبتغي غير هلاك ابن آدم لشدة العداوة بينه وبين أبيه آدم من قبل " ا.هـ التفسير 1/31 وانظر: أضواء البيان 2/435
وقال تعالى ( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ (96)وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97)وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ (98) ) [المؤمنون :96-98] قال الشنقيطي رحمه الله تعالى : " الـهمزات: جمع همزة وهي المرة من فعل الـهمز، وهو في اللغة: النخس والدفع ، وهمزات الشياطين: نخساتهم لبني آدم ليحثوهم ، ويحضوهم على المعاصي "ا.هـ أضواء البيان 5/574
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى : " والهمزات جمع همزة كتمرات وتمرة وأصل الهمز الدفع قال أبو عبيد عن الكسائي : همزته ولمزته ولهزته ونهزته إذا دفعته . والتحقيق أنه دفع بنخز وغمز يشبه الطعن فهو دفع خاص فهمزات الشياطين دفعهم الوساوس والإغواء إلى القلب . قال ابن عباس والحسن : همزات الشياطين نزغاتهم ووساوسهم . وفسرت همزاتهم بنفخهم ونفثهم وهذا قول مجاهد , وفسرت بخنقهم وهو الموتة التي تشبه الجنون , وظاهر الحديث أن الهمز نوع غير النفخ والنفث , وقد يقال وهو الأظهر إن همزات الشياطين إذا أفردت دخل فيها جميع إصاباتهم لابن آدم وإذا قرنت بالنفخ والنفث كانت نوعا خاصا كنظائر ذلك ثم قال ( وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ ) قال ابن زيد : في أموري . وقال الكلبي : عند تلاوة القرآن . وقال عكرمة : عند النزع والسياق . فأمره أن يستعيذ من نوعي شر إصابتهم بالهمز وقربهم ودنوهم منه فتضمنت الاستعاذة أن لا يمسوه ولا يقربوه " ا.هـ إغاثة اللهفان 1/ 95

وقال تعالى: ( وَلاَ تَسْتَوِي الحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34)وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35)وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ (36) ) [فصلت :34-36]قال ابن جرير رحمه الله تعالى : " يقول تعالى ذكره: وإما يلقين الشيطان يا محمد في نفسك وسوسة من حديث النفس إرادة حملك على مجازاة المسيء بالإساءة، ودعائك إلى مساءته، فاستجر بالله واعتصم من خطواته، إن الله هو السميع لاستعاذتك منه واستجارتك به من نزغاته، ولغير ذلك من كلامك وكلام غيرك، العليم بما ألقى في نفسك من نزغاته، وحدَّثتك به نفسك ومما يذهب ذلك من قبلك، وغير ذلك من أمور وأمور خلقه " ا.هـ التفسير 24/76
قال الرازي رحمه الله تعالى : " إن الغرض من الاستعاذة الاحتراز من شر الوسوسة ومعلوم أن الوسوسة كأنها حروف خفية في قلب الإنسان، ولا يطلع عليها أحد، فكأن العبد يقول: يا من هو على هذه الصفة التي يسمع بها كل مسموع، ويعلم كل سر خفي أنت تسمع وسوسة الشيطان وتعلم غرضه فيها، وأنت القادر على دفعها عني، فادفعها عني بفضلك، فلهذا السبب كان ذكر السميع العليم أولى بهذا الموضع من سائر الأذكار " ا.هـ التفسير 1/27 .
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى : " والشيطان لا يدع العبد يفعل هذا بل يريه أن هذا ذل وعجز، ويسلط عليه عدوه فيدعوه إلى الانتقام ويزينه له، فإن عجز عنه دعاه إلى الإعراض عنه، وأن لا يسيء إليه ولا يحسن، فلا يؤثر الإحسان إلى المسيء إلا من خالفه وآثر الله وما عنده على حظه العاجل، فكان المقام مقام تأكيد وتحريض " ا.هـ بدائع الفوائد 2/490
وقال تعالى: ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (الفلق 5) فهذا استعاذة من شر النفس ، وقال (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) (الناس:6) قال ابن القيم رحمه الله تعالى : " فهذا استعاذة من قرينها وصاحبها، وبئس القرين والصاحب، فأمر الله سبحانه نبيه وأتباعه بالاستعاذة بربوبيته التامة الكاملة من هذين الخلقين العظيم شأنهما في الشر والفساد، والقلب بين هذين العدوين لا يزال شرهما يطرقه وينتابه، وأول ما يدب فيه السقيم من النفس الأمارة من الشهوة وما يتبعها من الحب والحرص والطلب والغضب، ويتبعه من الكبر والحسد والظلم والتسلط، فيعلم الطبيب الغاش الخائن بمرضه، فيعوده، ويصف له أنواع السموم والمؤذيات، ويخيل إليه بسحره أن شفاءه فيها، ويتفق ضعف القلب بالمرض وقوة النفس الأمارة والشيطان وتتابع إمدادهما، وإنه نقد حاضر ولذة عاجلة، والداعي إليه يدعو من كل ناحية، والهوى ينفذ، والشهوة تهون، والتأسي بالأكثر والتشبه بهم، والرضا بأن يصيبه ما أصابهم، فكيف يستجيب مع هذه القواطع وأضعافها لداعي الإيمان ومنادي الجنة إلا من أمده الله بإمداد التوفيق، وأيده برحمته، وتولى حفظه وحمايته، وفتح بصيرة قلبه، فرأى سرعة انقطاع الدنيا وزوالها وتقلبها بأهلها وفعلها بهم، وأنها في الحياة الدائمة كغمس أضيع في البحر بالنسبة إليه " ا.هـ الروح /232

لماذا نستعيذ بالله من الشيطان ؟
قد بين الله تعالى لنا ذلك أعظم بيان فقال جل جلاله: ( يا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الجَنَّةِ ) [الأعراف : 27] ، وقال تعالى ( إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُواًّ إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ) [فاطر :6] ، وقال عز وجل : ( أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً ) [الكهف :50] ، وقد أقسم لأبينا آدم عليه السلام أنه له لمن الناصحين وكذب، فكيف معاملته لنا وقد قال ( قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82)إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ المُخْلَصِينَ (83) ) [ص : 82-83]
وقال تعالى عنه ( ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ) (الأعراف:17) قال ابن سعيد الغرناطي رحمه الله تعالى في التسهيل : " الشيطان عدو وحذر الله منه إذ لا مطمع في زوال علة عداوته وهو يجري من ابن آدم مجرى الدم فيأمره أولا بالكفر ويشككه في الإيمان فإن قدر عليه وإلا أمره بالمعاصي فإن أطاعه وإلا ثبطه عن الطاعة فإن سلم من ذلك أفسدها عليه بالرياء والعجب " ا.هـ

لطائف الاستعاذة:
قال ابن كثير رحمه الله تعالى : " ومن لطائف الاستعاذة أنها طهارة للفم مما كان يتعاطاه من اللغو والرفث وتطييب له وتهيؤ لتلاوة كلام الله وهي استعانة بالله واعتراف له بالقدرة وللعبد بالضعف والعجز عن مقاومة هذا العدو المبين الباطني الذي لا يقدر على منعه ودفعه إلا الله الذي خلقه ولا يقبل مصانعة ولا يدارى بالإحسان بخلاف العدو من نوع الإنسان كما دلت على ذلك آيات من القرآن في ثلاث من المثاني وقال تعالى: ( إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَـٰنٌۚ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ وَكِيلا ) وقد نزلت الملائكة لمقاتلة العدو البشري فمن قتله العدو الظاهر البشري يوم بدر كان شهيداً، ومن قتله العدو الباطني كان طريداً، ومن غلبه العدو الظاهري كان مأجوراً، ومن قهره العدو الباطني كان مفتوناً أو موزوراً ، ولما كان الشيطان يرى الإنسان من حيث لا يراه استعاذ منه بالذي يراه ولا يراه الشيطان " ا.هـ التفسير 1/31

وقال البجيرمي رحمه الله تعالى : " ومن لطائف الاستعاذة أن قوله: أعوذ باللَّه من الشيطان الرجيم إقرار من العبد بالعجز والضعف، واعتراف من العبد بقدرة الباري عز وجل وأنه الغني القادر على رفع جميع المضرات والآفات، واعتراف العبد أيضاً بأن الشيطان عدوّ مبين. ففي الاستعاذة التجاء إلى الله تعالى القادر على دفع وسوسة الشيطان الغويّ الفاجر وأنه لا يقدر على دفعه عن العبد إلا الله تعالى " ا.هـ تحفة الحبيب 1/893 إعانة الطالبين 1/20
وقال ابن سعيد الغرناطي رحمه الله تعالى في التسهيل لعلوم التنزيل : " من استعاذ بالله صادقا أعاذه فعليك بالصدق ألا ترى امرأة عمران لما أعاذت مريم وذريتها عصمها الله ففي الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( ما من مولود إلا نخسه الشيطان فيستهل صارخا إلا ابن مريم وأمه ) " ا.هـ والحديث رواه مسلم (2366) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .

من مواضع الاستعاذة :

1/ قبل تلاوة القرآن: لقول الله تعالى ( فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمٌِ ) أي: قل قبل القراءة: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم قال القرطبي رحمه الله تعالى : " أي إذا أردت أن تقرأ ؛ فأوقَعَ الماضي موقع المستقبل كما قال الشاعر:

وإني لآتيكم لذكري الذي مضى *** من الودّ وٱستئناف ما كان في غدِ

أراد ما يكون في غد؛ وقيل: في الكلام تقديم وتأخير، وأن كل فعلين تقاربا في المعنى جاز تقديم أيهما شئت؛ كما قال تعالى: ( ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ ) (النجم: 8) المعنى فتدلى ثم دنا؛ ومثله: ( ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ ) (القمر: 1) وهو كثير " ا.هـ الجامع لأحكام القرآن 1/153
وقال الجصاص رحمه الله تعالى : " وقوله : ( فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ ) يقتضي ظاهره أن تكون الاستعاذة بعد القراءة كقوله ( فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً )(النساء: 103) ولكنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن السلف الذين ذكرناهم الاستعاذة قبل القراءة . وقد جرت العادة بإطلاق مثله . والمراد إذا أردت ذلك كقوله تعالى : ( وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا )(الأنعام:152) وقوله : ( وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ)(الأحزاب:53) وليس المراد أن تسألها من وراء حجاب بعد سؤال متقدم , وكقوله تعالى : ( إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً )(المجادلة:12) وكذلك قوله { فإذا ( فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ )(النحل:98) معناه : إذا قرأت فقدم الاستعاذة قبل القراءة , وحقيقة معناه : إذا أردت القراءة فاستعذ , وكقول القائل : إذا قلت فاصدق وإذا أحرمت فاغتسل يعني قبل الإحرام , والمعنى في جميع ذلك إذا أردت ذلك كذلك قوله : ( فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ ) معناه : إذا أردت قراءته ... إنما الاستعاذة قبل القراءة لنفي وساوس الشيطان عند القراءة , قال الله تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ )(الحج:52) } فإنما أمر الله بتقديم الاستعاذة قبل القراءة لهذه العلة . والاستعاذة ليست بفرض لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلمها الأعرابي حين علمه الصلاة , ولو كانت فرضا لم يخله من تعليمها . " ا.هـ أحكام القرآن 3/282
قال ابن القيم رحمه الله تعالى : " إن الاستعاذة قبل القراءة عنوان وإعلام بأن المأتي به بعدها القرآن ولهذا لم تشرع الاستعاذة بين يدي كلام غيره بل الاستعاذة مقدمة وتنبيه للسامع أن الذي يأتي بعدها هو التلاوة فإذا سمع السامع الاستعاذة استعد لاستماع كلام الله تعالى " ا.هـ إغاثة اللهفان 1/94
وقال رحمه الله تعالى مبينا بعض الحكم من الأمر بالاستعاذة قبل القراءة : " إن الشيطان يجلب على القارئ بخيله ورجله حتى يشغله عن المقصود بالقرآن وهو تدبره وتفهمه ومعرفة ما أراد به المتكلم به سبحانه فيحرص بجهده على أن يحول بين قلبه وبين مقصود القرآن فلا يكمل انتفاع القارئ به فأمر عند الشروع أن يستعيذ بالله عز وجل منه . ومنها : أن القارئ يناجي الله تعالى بكلامه والله تعالى أشد أذنا للقارئ الحسن الصوت بالقرآن من صاحب القينة إلى قينته والشيطان إنما قراءته الشعر والغناء فأمر القارئ أن يطرده بالاستعاذة عند مناجاة الله تعالى واستماع الرب قراءته . ومنها : أن الله سبحانه أخبر أنه ما أرسل من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته والسلف كلهم على أن المعنى إذا تلا ألقى الشيطان في تلاوته قال الشاعر في عثمان :

تمنى كتاب الله أول ليله *** وآخره لاقى حمام المقادر

فإذا كان هذا فعله مع الرسل عليهم السلام فكيف بغيرهم ولهذا يغلط القارئ تارة ويخلط عليه القراءة ويشوشها عليه فيخبط عليه لسانه أو يشوش عليه ذهنه وقلبه فإذا حضر عند القراءة لم يعدم منه القارئ هذا أو هذا وربما جمعهما له فكان من أهم الأمور الاستعاذة بالله تعالى منه " ا.هـ إغاثة اللهفان 1/93
وقال ابن تيمية رحمه الله تعالى : " الاستعاذة ليست بقرآن ولم تكتب في المصاحف وإنما فيه الأمر بالاستعاذة وهذا قرآن " ا.هـ الفتاوى 22/351

2/ في الصلاة قبل قراءة الفاتحة
قال أبو سلمة رضي الله عنه : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يقول: «اللهمَّ إنّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ مِنْ هَمْزِهِ وَنَفْثِهِ وَنَفْخِهِ» . قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «تَعَوَّذُوا بالله مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ مِنْ هَمْزِهِ وَنَفْخِهِ وَنَفْثِهِ» قالوا: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما همزُه ونفخه ونفثه؟ قال: «أمّا هَمْزُهُ فَهٰذِهِ المَوْتَة التي تأخُذُ بني آدَمَ، وَأَمّا نَفْخهُ فالكِبْرُ، وأما نَفْثُهُ فالشِّعْرُ» أحمد ( 24829) واللفظ له ورواه ابن أبي شيبة 1/269 وابن حبان ( 1308) من حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه . والموتة : الجنون " ا.هـ الأذكار / 46 الجامع لأحكام القرآن 1/136

3/ عند الغضب:
عن سُلَيْمَانَ بن صُرَدٍ رضي الله عنه قال : كنت جَالِسًا مع النبي صلى الله عليه وسلم وَرَجُلَانِ يَسْتَبَّانِ فَأَحَدُهُمَا احْمَرَّ وَجْهُهُ وَانْتَفَخَتْ أَوْدَاجُهُ فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( إني لَأَعْلَمُ كَلِمَةً لو قَالَهَا ذَهَبَ عنه ما يَجِدُ لو قال أَعُوذُ بِاللَّهِ من الشَّيْطَانِ ذَهَبَ عنه ما يَجِدُ ) فَقَالُوا له : إِنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال( تَعَوَّذْ بِاللَّهِ من الشَّيْطَانِ ) فقال : وَهَلْ بِي جُنُونٌ . رواه البخاري (3108) ومسلم (2610)

4/ عند دخول الخلاء: فعن أنس رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الْخَلَاءَ قال ( اللهم إني أَعُوذُ بِكَ من الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ ). البخاري ( 142) ومسلم (375) قال ابن حبان رحمه الله تعالى : " الخُبُثُ: جمع الذكور من الشياطين، والخبائث: جمعُ الإِناث منهم. يقال: خبيث وخبيثان وخُبُث، وخبيثة وخبيثتان وخبائث" ا.هـ صحيح ابن حبان 2/263
وقال ابن تيمية رحمه الله تعالى : " فإن الحش مع أنه مظنة النجاسة فإن الشياطين تحضره كما قال صلى الله عليه و سلم ( إن هذه الحشوش محتضرة ) و أمر عند دخولها بالتسمية و الاستعاذة من الشيطان الرجيم و كذلك الحمام فإنه مع أنه مظنة النجاسة فإنه بيت الشيطان كما جاء في الأثر الذي ذكرناه في الطهارة أن الشيطان قال : أي رب اجعل لي بيتا قال: بيتك الحمام . و هو محل للخبث و الملائكة لا تدخل بيتا فيه خبث " ا.هـ درء التعارض 4/455 وحديث الحشوش رواه أحمد (18926) وأبو داود (6) والنسائي في الكبرى ( 9807) وابن ماجه (309) من حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه وصححه الحاكم 1/298 وابن حبان (1604) أما الأثر الثاني ( بيتك الحمام ) فحديث ضعيف رواه الطبراني من حديث أبي أمامة رضي الله عنه قال الهيثمي رحمه الله تعالى : " رواه الطبراني، وفيه: علي بن يزيد الألهاني ، وهو ضعيف " ا.هـ مجمع الزوائد 8/221 فتح الباري 12/170 مرقاة المفاتيح 2/544

5/ عند نباح الكلاب، ونهيق الحمير
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إذا سمعتم نباح الكلاب ونهيق الحمير من الليل فتعوذوا بالله من الشيطان الرجيم فإنها ترى ما لا ترون ) أحمد (13992) وصححه الحاكم 4/316 وابن حبان ( 5517) قال المناوي رحمه الله تعالى : " وحضور الشيطان مظنة الوسوسة والطغيان وعصيان الرحمن فناسب التعوذ لدفع ذلك " ا.هـ فيض القدير 1/381

6/ عند الأرق والفزع: لحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم من الفزع كلمات ( باسم الله أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه وشر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون ) .أحمد (6696) والنسائي في الكبرى ( 10601) والترمذي(3662) وحسنه والحاكم وصححه 1/733 قال المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير : " (أعوذ) أي أعتصم (بكلمات الله) كتبه المنزلة على رسله أو صفاته وقد جاءت الاستعاذة بها في خبر أعوذ بعزة الله وقدرته والتأنيث للتعظيم (التامة) الخالية عن التناقض والاختلاف (من غضبه) سخطه على من عصاه وإعراضه عنه (وعقابه) عقوبته (ومن شر عباده) من أهل الأرض وغيرهم (ومن همزات الشياطين) نزغاتهم ووساوسهم وأصل الهمز الحث ومنه همز الفرس بالمهماز ليعدو وشبه حث الشياطين على الإثم بهمز الراضة الدواب على المشي وجمعها باعتبار المرات أو لتنوع الوسواس أو لتعدد الشياطين (وأن يحضرون) أي يحومون حولي في شيء من أموري لأنهم إنما يحضرون بسوء " ا.هـ وانظر التمهيد 24/109
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى : " و «كلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر» هي التي كوَّن بها الكائنات فلا يخرج بر ولا فاجر عن تكوينه ومشيئته وقدرته. وأما «كلماته الدينية» وهي كتبه المنزلة وما فيها من أمره ونهيه، فأطاعها الأبرار، وعصاها الفجار " ا.هـ الفتاوى 11/221
وقال المباركفوري رحمه الله تعالى : " «أعوذ بكلمات الله التامة» أي الكاملة الشاملة الفاضلة وهي أسماؤه وصفاته وآيات كتبه «وعقابه» أي عذابه «شر عباده» من الظلم والمعصية ونحوهما «ومن همزات الشياطين» أي نزغاتهم وخطراتهم ووساوسهم وإلقائهم الفتنة والعقائد الفاسدة في القلب وهو تخصيص بعد تعميم «وأن يحضرون» بحذف الياء وإبقاء الكسرة دليلاً عليها أي ومن أن يحضروني في أموري كالصلاة وقراءة القرآن وغير ذلك لأنهم إنما يحضرون بسوء «فإنها» أي الهمزات «لن تضره» أي إذا دعا بهذا الدعاء وفيه دليل على أن الفزع إنما هو من الشيطان " ا.هـ تحفة الأحوذي 9/404 وانظر : عون المعبود 10/383 تنوير الحوالك 3/119 شرح الزرقاني على الموطأ 4/340 وقد سبق ذكر كلام ابن القيم رحمه الله تعالى .

7/ عند الرقية:
عَنِ ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أن رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كان يُعَوِّذُ حَسَناً وَحُسَيْناً يقول ( أُعِيذُكُمَا بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ من كل شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ وَمِنْ كل عَيْنٍ لاَمَّةٍ ) وكان يقول : ( كان إِبْرَاهِيمُ أبي يُعَوِّذُ بِهِمَا إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ ) .رواه أحمد (2112) والنسائي في الكبرى ( 7726) وصححه الحاكم 3/183 وابن حبان (1012)
والهامَّة بتشديد الـميـم: وهي كل ذات سم يقتل كالـحية وغيرها، والـجمع: الهوام ، قالوا: وقد يقع الهوام علـى ما يدب من الـحيوان وإن لـم يقتلِ كالـحشرات. ومنه حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه «أيُؤذِيكَ هَوَامُّ رأسِكَ؟» أي: القمل، وأما العين اللاَّمَّةُ بتشديد الـميـم: وهي التـي تصيب ما نظرت إلـيه بسوء. الأذكار للنووي /131 وانظر : فتح الباري 7/34 عمدة القاري 15/251 تحفة الأحوذي 6/179

8/ عند دخول المسجد : عن عبد اللَّهِ بن عَمْرِو بن الْعَاصِ رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كان إذا دخل الْمَسْجِدَ قال ( أَعُوذُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ وَبِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ وَسُلْطَانِهِ الْقَدِيمِ من الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ) قال أَقَطْ قلت نعم قال ( فإذا قال ذلك قال الشَّيْطَانُ حُفِظَ مِنِّي سَائِرَ الْيَوْمِ ) رواه أبو داود (466) قال النووي رحمه الله تعالى : " حديث حسن، رواه أبو داود بإسناد جيد " ا.هـ الأذكار /31

9/ عند ورود الوساوس في الصلاة
روى مسلم( 5692) عن عثمان بن أبي العاص الثقفي رضي الله عنه أنه أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يَا رَسُولَ اللّهِ إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَلاَتِي وَقِرَاءَتِي. يَلْبِسُهَا عَلَيَّ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم : «ذَاكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ خنْزَبٌ . فَإِذَا أَحْسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ بِاللّهِ مِنْهُ. وَاتْفِلْ عَلَىٰ يَسَارِكَ ثَلاَثاً». قَالَ: فَفَعَلْتُ ذٰلِكَ فَأَذْهَبَهُ اللّهُ عَنِّي . قال النووي رحمه الله تعالى : " قلت: «خنزب» بخاء معجمة ثم نون ساكنة، ثم زاي مفتوحة ثم بـاء موحدة ، واختلف العلـماء فـي ضبط الـخاء منه، فمنهم من فتـحها، ومنهم من كسرها، وهذان مشهوران، ومنهم من ضمها، حكاه ابن الأثـير فـي «نهاية الغريب»، والـمعروف: الفتـح والكسر " ا.هـ الأذكار /128 وقال رحمه الله تعالى : " أما خنزب فبخاء معجمة مكسورة ثم نون ساكنة ثم زاي مكسورة ومفتوحة، ويقال أيضاً بفتح الخاء والزاي حكاه القاضي، ويقال أيضاً بضم الخاء وفتح الزاي حكاه ابن الأثير في النهاية وهو غريب، وفي هذا الحديث استحباب التعوذ من الشيطان عند وسوسته مع التفل عن اليسار ثلاثاً، ومعنى يلبسها أي يخلطها، ويشككني فيها وهو بفتح أوله وكسر ثالثه ومعنى حال بيني وبينها أي نكدني فيها ومنعني لذتها والفراغ للخشوع فيها "ا.هـ شرح مسلم 14/156

10/ عند إقبال الليل روى أحمد (6145) وأبو داود (2604) والنسائي في الكبرى (7839) وصححه ابن خزيمة ( 2556) والحاكم 1/615 عن ٱبن عمر رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر فأقبل عليه الليل قال: «يا أرضُ ربّي ورَبّك الله أعوذ بالله مِن شرّك ومن شرّ ما خلق فيك ومن شر ما يَدِبّ عليك ومن أسد وأسْود ومن الحية والعقرب ومن ساكني البلد ووالد وما ولد». قال الـخطابـي: قوله «ساكن البلد» هم الـجن الذين هم سكان الأرض، والبلد من الأرض: ما كان مأوى الـحيوان، وإن لـم يكن فـيه بناء ومنازل. قال: ويحتـمل أن يكون الـمراد بـالوالد: إبلـيس، وما ولد: الشياطين، هذا كلام الـخطابـي، والأسود: الشخص، فكل شخص يسمى أسود. الأذكار للنووي / 226 رياض الصالحين /197 المجموع 4/323

11/ عند النزول فقد رَوَتْ خَوْلة بنت حكيم رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « مَنْ نَزَلَ مَنْزِلاً ثُمَّ قَالَ : أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللّهِ التَّامَّةِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، لَمْ يَضُرُّهُ شَيْءٌ، حَتَّىٰ يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذٰلِكَ». ». أخرجه مسلم ( 6828) التامة: أي الخالية عن العيوب أو الوافية في دفع ما يتعوذ منه. عون المعبود 13/59 وهي الكاملة الشاملة الفاضلة وهي أسماؤه وصفاته وآيات كتبه. مرقاة المفاتيح 5/336 والفاضلة التي لا يدخلها نقص. شرح الزرقاني على الموطأ 4/340

12/ عند وسوسة الشيطان وتشكيكه
قال أبو هريرةَ رضي اللهُ عنه : قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «يأتي الشيطانُ أحدَكم فيقول: من خَلَقَ كذا ؟ من خَلقَ كذا ؟ حتى يقول: من خَلقَ ربَّك ؟ فإذا بلَغَهُ فَليَسْتعِذْ باللهِ ولْيَنْتَهِ». رواه البخاري( 3206) ومسلم ( 303) قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى : " قوله: (من خلق ربك فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته) أي عن الاسترسال معه في ذلك، بل يلجأ إلى الله في دفعه، ويعلم أنه يريد إفساد دينه وعقله بهذه الوسوسة، فينبغي أن يجتهد في دفعها بالاشتغال بغيرها، قال الخطابي: وجه هذا الحديث أن الشيطان إذا وسوس بذلك فاستعاذ الشخص بالله منه وكف عن مطاولته في ذلك اندفع، قال: وهذا بخلاف ما لو تعرض أحد من البشر بذلك فإنه يمكن قطعه بالحجة والبرهان، قال: والفرق بينهما أن الآدمي يقع منه الكلام بالسؤال والجواب والحال معه محصور، فإذا راعى الطريقة وأصاب الحجة انقطع، وأما الشيطان فليس لوسوسته انتهاء، بل كلما ألزم حجة زاغ إلى غيرها إلى أن يفضي بالمرء إلى الحيرة، نعوذ بالله من ذلك " ا.هـ فتح الباري 6/486 وانظر : عمدة القاري 15/ 167

13/ والاستعاذة من الشيطان من أذكار الصباح والمساء وعند النوم فعَن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ « قَالَ أبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ الله مُرْنِي بِشَيْءٍ أَقُولُهُ إذَا أَصْبَحْتُ وَإذَا أَمْسَيْتُ. قَالَ: قُلْ: ( اللَّهُمَّ عَالِمَ الغَيْبِ وَالشّهَادَةِ، فَاطِرَ السَّمَاواتِ والأَرْضِ، رَبَّ كُلِّ شَيءٍ وَمَلِيكَهُ أشْهَدُ أَن لاَ إِله إِلاّ أنْتَ أعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِي وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ وشِرْكِهِ. قَالَ قُلْهُ إذَا أَصْبَحْتَ وَإذَا أَمْسَيْتَ وإِذَا أخَذْتَ مَضْجَعَكَ ) . رواه أحمد (52 ) وأبو داود (5063) والنسائي في الكبرى (10530) والترمذي (3523) وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
قال النووي رحمه الله تعالى : " قوله: «وشركه»، روي علـى وجهين: أظهرهما وأشهرهما: بكسر الشين مع إسكان الراء من الإشراك: أي: ما يدعو إلـيه ويوسوس به من الإشراك بـالله تعالـى. والثانـي: شَرَكه بفتـح الشين والراء: أي: حبـائله ومصائده، واحدها: شَرَكه بفتـح الشين والراء، وآخره هاء " ا.هـ الأذكار /78
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى : " فقد تضمن هذا الحديث الشريف الاستعاذة من الشر وأسبابه وغايته فإن الشر كله إما أن يصدر من النفس أو من الشيطان وغايته إما أن تعود على العامل أو على أخيه المسلم فتضمن الحديث مصدري الشر اللذين يصدر عنهما وغايتيه اللتين يصل إليهما "ا.هـ إغاثة اللهفان 1/90 وقال رحمه الله تعالى : " فذكر مصدري الشر، وهما النفس والشيطان، وذكر مورديه ونهايتيه، وهما عوده على النفس أو على أخيه المسلم، فجمع الحديث مصادر الشر وموارده في أوجز لفظه وأخصره وأجمعه وأبينه " ا.هـ بدائع الفوائد 2/435 وقال رحمه الله تعالى : " ولما كان الشر له مصدر يبتدي منه وغاية ينتهي إليها وكان مصدرها إما من نفس الإنسان وإما من الشيطان وغايته أن يعود على صاحبه أو على أخيه المسلم تضمن الدعاء هذه المراتب الأربعة بأوجز لفظ وأوضحه وأبينه " ا.هـ شفاء العليل 1/162

14/ عَن عَبْدِ الله بنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : «إِنَّ لِلشَّيْطَانِ لَمَّةً بابنِ آدَمَ وَلِلْمُلَكِ لَمَّةً فَأَمَّا لَمَّةُ الشَّيْطَانِ فَإِيعَادٌ بالشَّرِّ وَتَكْذِيبٌ بِالْحَقِّ، وَأَمَّا لَمَّةُ المَلَكِ فَإِيعَادٌ بالْخَيْرِ وَتَصْدِيقٌ بالْحَقِّ، فَمَنْ وَجَدَ ذَلِكَ فَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ مِنَ الله فَلْيَحْمَدِ الله، وَمَنْ وَجَدَ الأخْرَى فَلْيَتَعَوَّذْ بالله مِنَ الشَّيْطَانِ الرجيم ثمَّ قَرَأَ: ( الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الفَقْرَ، وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ)» . رواه الترمذي ( 3082) والنسائي في الكبرى ( 10947) وأبو يعلى ( 5002) وابن حبان (973) قال الترمذي : هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ. وَهُوَ حَدِيثُ أبي الأحْوَصِ لاَ نعلمه مَرْفُوعاً إلاَّ مِنْ حَدِيثِ أبي الأحْوَصِ.ا.هـ
لمة بالفتح : قرب وإصابة من الإلمام وهو القرب والمراد بها ما يقع في القلب بواسطة الشيطان أو الملك .. ونسب لمة الملك إلى اللّه تعالى تنويهاً بشأن الخير وإشادة بذكره في التمييز بين اللمتين لا يهتدي إليه أكثر الناس والخواطر بمنزلة البذر فمنها ما هو بذر السعادة ومنها ما هو بذر الشقاوة . فيض القدير 2/500 وقد قال تعالى: ( إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَـنُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ ) [آل عمران: 175] أي: يخوفكم أولياؤه بما يقذف في قلوبكم من الوسوسة المرعبة، كشيطان الإنس الذي يخوف من العدو فيرجف ويخذل. فتاوى ابن تيمية 17/506
والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
حرر في 8/1/1428هـ
جمع د. نايف بن أحمد الحمد

إرسال تعليق

 
Top