1 |
19 - ( وعن أبي سعيد الخدري ) منسوب إلى خدرة ، بضم الخاء وسكون الدال المهملة ، حي من الأنصار . هو سعد بن مالك الأنصاري ، اشتهر بكنيته ، كان من الحفاظ المكثرين ، روى عنه جماعة من الصحابة والتابعين ، مات سنة أربع وستين ، ودفن بالبقيع وله أربع وثمانون سنة - رضي الله عنه - ( قال : خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أضحى ) بفتح الهمزة والتنوين ، واحده أضحاة ، لغة في الأضحية ، أي في عيد أضحى - على حذف المضاف ، بل غلب على عيد النحر ، فحينئذ مغن عن التقدير كالفطر ، وفي بعض النسخ بترك التنوين ، سمي بذلك لأنه يفعل وقت الضحى وهو ارتفاع النهار ( أو فطر ) شك من الراوي ( إلى المصلى ) أي المسجد الذي يصلى فيه صلاة العيد ، وهو الموجود إلى اليوم خارج السور في المدينة المشرفة ( فمر على النساء ) : مر يتعدى بعلى كالباء ، ويحتمل أنه قصدهن للوعظ أو : لما مر بهن وعظهن ( فقال : يا معشر النساء ) أي جماعتهن ، والخطاب عام غلبت الحاضرات على الغيب ( تصدقن ) أمر لهن أي أعطين الصدقة ( فإني أريتكن ) على طريق الكشف ، أو على سبيل الوحي ( أكثر أهل النار ) على صيغة المجهول من أري إذا أعلم ، وله ثلاثة مفاعيل ؛ أحدها : التاء القائمة مقام الفاعل ، والثاني : [ ص: 93 ] كن ، والثالث : أكثر ، أي أعلمت بأنكن أكثر دخولا في النار من الرجال ، والصدقة تقي منها . كل امرئ في ظل صدقته حتى يقضى بين الناس ، اتقوا النار ولو بشق تمرة ؛ ولأن علة كونهن أكثر أهل النار محبتهن للدنيا ، وبالتصدق يزول ، أو ينقص رذيلة البخل الناشئ عن محبتها المذمومة ، ولهذه النكتة ورد : ( اليد العليا خير من اليد السفلى ) . ( فقلن : وبم يا رسول الله ؟ ) أصله بما حذفت ألف ما الاستفهامية بدخول حرف الجر عليها تخفيفا ، والباء للسببية متعلقة بمقدر بعدها ، والواو إما للعطف على مقدر قبله ، والتقدير : فقلن كيف يكون ذلك ، وبأي شيء نكون أكثر أهل النار ؟ أو زائدة ليدل على أنه متصل بما قبله لا سؤال مستقل بنفسه منقطع عما قبله . ( قال : تكثرن اللعن ) أصله إبعاد الله تعالى العبد من رحمته بسخطه ، ومن الإنسان الدعاء بالسخط والإبعاد على نفسه أو غيره ، وفيه مصادرة لسعة رحمته التي سبقت غضبه ، ومن ثم اتفق العلماء على تحريمه لمعين ، ولو كافرا لم يعلم موته على الكفر يقينا ؛ إذ كيف يبعد من رحمة الله من لا يعرف خاصة أمره ، وإن كان كافرا في الحالة الراهنة ؛ لاحتمال أن يموت مسلما ؟ بخلاف من علم من الشارع موته كافرا كأبي جهل ، أو أنه سيموت كذلك كإبليس فإنه لا حرج في لعنه ، وبخلاف اللعن لا لمعين بل يوصف كلعن الله الواصلة وآكل الربا والكاذب ؛ لأنه ينصرف إلى الجنس ، ولعل وجه التقييد بالإكثار أن اللعن يجري على ألسنتهن لاعتيادهن من غير قصد ؛ لمعناه السابق ، فخفف الشارع عنهن ولم يتوعدهن بذلك إلا عند إكثاره ، ونظيره ما قاله بعض الأئمة : إن الغيبة صغيرة ، ووجهوه بأن الناس ابتلوا بها ، فلو كانت كبيرة على الإطلاق كما جرى عليه كثيرون ، بل حكي عليه الإجماع - للزم تفسيق الناس كلهم أو غالبهم ، وفي ذلك حرج أي حرج ، وقد يستعمل في الشتم والكلام القبيح يعني : عادتكن إكثار اللعن والشتم والإيذاء باللسان ( وتكفرن ) : بضم الفاء ( العشير ) أي المعاشر الملازم ، وهو الزوج هاهنا ، وكفرانه جحد نعمته وإنكارها ، أو سترها بترك شكرها . وفي الحديث : ( ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله ) يعني شكرا كاملا فإنه شكر المسبب ولم يشكر السبب ، واستعمال الكفران في النعمة والكفر في الدين أكثر . ( ما رأيت من ناقصات عقل ودين ) " من " مزيدة للاستغراق ، صفة لمفعوله المحذوف أي : ما رأيت أحدا من ناقصات ، وقيل : يحتمل أن يكون بيانا لإحداكن على المبالغة أو بالعكس ، وقوله : ( أذهب ) : صفة لمحذوف أي أحدا ، وعلى الأول صفة أخرى له إن كان بمعنى أبصرت ، ومفعول ثان لرأيت إن كان بمعنى علمت ، والمفضل عليه مفروض مقدر ، وهو أفعل التفضيل من الإذهاب ؛ لمكان اللام في قوله : ( للب الرجل ) فمعناه : أكثر إذهابا للب ، وهذا جائز على رأي سيبويه كـ " هو أعطاهم للدراهم " ، ثم العقل غريزة يدرك بها المعنى ، ويمنع عن القبائح ، وهو نور الله في قلب المؤمن ، واللب العقل الخالص من شوب الهوى ( الحازم ) صفة الرجل أي الضابط أمره ، وفي ذكره مع ذكر اللب إشعار بأن فتنتهن عظيمة تذهب بعقول الحازمين ، فما ظنك بغيرهم ؟ ( من إحداكن ) متعلق بأذهب ، وإنما لم يقل : منكن ؛ لأن الواحدة إذا كانت على هذه الصفة الذميمة فكونهن عليها أولى من غير عكس ، وما أحسن قول جرير في وصف عيوبهن : يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به وهن أضعف خلق الله أركانا ( قلن : وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله ؟ ) مع أن ديننا ودين الرجل واحد ، وكلنا معدودون من ذوي العقول ، ولعلهن خالفن الترتيب السابق الموافق للاحق ؛ إشارة إلى الاهتمام بأمر الدين ليتداركن إن كان مما يمكنه التدارك ، أو إيماء إلى نقصان عقلهن حيث ما راعين كلام النبوة ، وما فهمن وجه الترتيب من أن نقصان العقل أمر جبلي مقدم في الوجود ، ونقصان الدين أمر حادث ، أو لأن الغالب إنما ينشأ نقصان الدين من نقصان العقل ، ثم هذا السؤال من حذاقة أولئك الحاضرات ، ومن ثمة مدحهن - صلى الله عليه وسلم - بقوله : ( نعم النساء نساء الأنصار ، لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين ) ، وفي هذا وما قبله حث للمتعلم على مراجعة العالم فيما لم يظهر له معناه قال : ( أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل ) ؛ لقوله تعالى : ( فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ) [ ص: 94 ] ( قلن : بلى . قال : ( فذلك ) : إشارة إلى أن الحكم السابق والكاف لخطاب العام ، ويحتمل الكسر ؛ ولذا لم يقل : " ذلكن " مع كون الخطاب للنساء . وقال العسقلاني : بكسر الكاف خطاب للواحدة التي تولت الخطاب ، ويجوز فتحها على أنه خطاب للعام . ( من نقصان عقلها ) : ولذا قال تعالى : ( أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ) ( قال ) : لعل إعادة " قال " ليدل على أنه قول مستقل راجع إلى نظيره السابق ، وليس من تتمة هذا القول القريب ، وهو موجود في أكثر النسخ ، وأما في أصل السيد جمال الدين ومن صحيح البخاري فغير موجود ، والله أعلم . ( أليس ) : اسمها ضمير الشأن ، وخبرها قوله : ( إذا حاضت لم تصل ولم تصم ؟ ) قلن : بلى . قال : ( فذلك ) أي كونها غير مصلية ولا صائمة ( من نقصان دينها ) يعني في الجملة ؛ لأنها حرمت من ثواب الصلاة فإنها لا تقضي ، ومن كمال ثواب الصوم حيث لم يقع في وقت الفضيلة مع مشاركة المؤمنين في الطاعة ، ولعل هذا وجه إيراده في هذا الباب ، والله أعلم بالصواب . ( متفق عليه ) : ورواه النسائي ، وابن ماجه . |
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
إرسال تعليق