0

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :
( أما بعد )
فقد قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن أمتي يأتون يوم القيامة غُرَّا محجَّلين ، من أثر الوضوء ، فمن استطاع منكم أن يطيل غرَّته فليفعل " )
متفق عليه ، واللفظ لمسلم .
( من الفوائد )
أن النبي صلى الله عليه وسلم أكَّد هذا الكلام بذكر مؤكِّد وهو ( إنَّ ) ومرَّ معنا أدوات التوكيد .
( ومن الفوائد )
أن الأمة المذكورة هنا موصوفة بوصف حميد ، فدل على أنها أمة الإجابة ، لأن الأمة المضافة إلى النبي صلى الله عليه وسلم نوعان :
النوع الأول : ( أمة الدعوة ) يعني من بلغته الدعوة سواء كان مسلما أو كان كافراً ، فهذا من أمة الدعوة ، ويدل له حديث النبي صلى الله عليه وسلم كما عند مسلم :
( والذي نفسي بيده لا يسمع به أحدٌ من هذه الأمة يهودي أو نصراني ، ثم لم يؤمن بي إلا كان من أهل النار )
فذكر أن من بين هذه الأمة اليهود والنصارى ، لأن الرسالة قد بلغتهم .
وابن حجر رحمه الله في الفتح يقول :
" إن الأمة ثلاثة أنواع "
النوع الأول : أمة الدعوة .
النوع الثاني : أمة الإجابة .
النوع الثالث : أمة الإتباع "
وهم أعلى درجة من أمة الإجابة ، وهي داخلة ضمن أمة الإجابة ، ولعل إفراده رحمه الله لها لما جاء في قوله تعالى:
{فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ{8} وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ{9} وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ } الواقعة10
( ومن الفوائد )
أن ( يوم ) ذكر مضافة إلى ( القيامة ) وهو لا ليل فيه ، فهو يوم عقيم كما وصفه الله عز  وجل { أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ }الحج55 ، على أحد وجوه التفسير :
( أنه يوم القيامة ) لم ؟
لأنه لا ليلة بعده .
وسمي بيوم القيامة لثلاثة أمور :
أولا : لأن الناس يقومون فيه من قبورهم ، كما قال تعالى :
{يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ }المطففين6 .
ثانيا :  إقامة العدل ، قال تعالى :
{وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا }الأنبياء47 .
ثالثا : " قيام الأشهاد " قال تعالى :
{ وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ }غافر51
( ومن الفوائد )
أن أمة النبي صلى الله عليه وسلم تأتي ويأتي غيرها ، ولكن قُيِّد بأنهم يأتون على صفة الغُرِّ  ( غُرَّا  ) حال من
( يأتون ) يعني " إتيانهم حالة كونهم غرَّا "
وإلا فغيرهم يأتون ولا شك في ذلك ، قال عز وجل : {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا }الجاثية28.
( ومن الفوائد )
أن  :
( الغرة ) : " بياض في جبين الفرس "
( التحجيل ) : " بياض في قوائمه "
فاستعار – على قول من يقول بها في البلاغة ، مع أن هذا أسلوب من أساليب اللغة العربية – استعار لفظ:
 ( الغرة والتحجيل ) لتبين ما يكون من نور ووضاءة في وجوه وأيدي وأرجل المؤمنين .


( ومن الفوائد )
أن ( مِنْ ) هنا " سببية " يعني بسبب أثر الوضوء .
( ومن الفوائد )
أن ( الوضوء ) مأخوذ من " الوضاءة " ولذا يحرص المسلم إذا توضأ أن يتذكر ذلك ، من أن هذا الماء الذي يغسل به أعضاءه يجعله ذا وضاءة يوم القيامة ، كما أن الوضاءة تحصل له في الدنيا بسبب بركة العمل الصالح .
( ومن الفوائد )
أن العلماء اختلفوا : هل الوضوء من خصائص هذه الأمة أم لا ؟
قولان ، شيخ الإسلام رحمه الله يرى : أن الوضوء من خصائص هذه الأمة ، وأن الأمم السابقة ليس لهم وضوء، لأنهم لو كان يتوضئون لحصل لهم مثل ما حصل لأمة النبي صلى الله عليه وسلم ، ويقول إن الحديث الوارد عند ابن ماجه لا يصح:
( هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي )
القول الآخر : أن الوضوء ليس من خصائص هذه الأمة ، وإنما من خصائصها الغرة والتحجيل .
وهذا هو الصواب ، لم ؟
لأن جريجاً لما أبتلي بتلك المرأة البغي ، ورمته بالزنا وأنها حملت منه ، في رواية مسلم : ( قام فتوضأ )
فنقول : الوضوء موجود في الأمم السابقة كما دلت على ذلك أحاديث ، لكن الغرة والتحجيل من خصائص هذه الأمة ، ولعل الوضوء السابق يختلف عن وضوئنا ، حتى لا يدخل علينا بأنهم لو كانوا يتوضئون لصار لهم مثل ما يصير لهذه الأمة .
( ومن الفوائد )
أن قوله :
( فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل )
هذه الجملة اختلف فيها ، هل هي من مقول النبي صلى الله عليه وسلم ، أم من مقول أبي هريرة رضي الله عنه ؟
بعض العلماء يقول : إنها من قول النبي صلى الله عليه وسلم .
ومن ثمَّ: يستحب أن يزاد على محل الفرض "
بمعنى أنك لما تغسل وجهك تغسل معه جزءاً مع الرأس ، لما  تغسل يديك تغسلها إلى المناكب ، ولما تغسل قدميك تغسلها إلى الرُّكب "
ويقولون : هذا هو الوارد عن أبي هريرة رضي الله عنه ، و [ الراوي أعلم بما روى ]
ولعل ما يدعمهم في هذا : قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء )
فالمؤمن يُحَلَّى يوم القيامة في الجنة ، لكن بقدر ما يبلغ وضوؤه .
وعلى هذا القول يقولون في هذه الجملة حذف ( فمن استطاع منكم أن يطيل غرته وتحجيله فليفعل ) ودل عليها أول الحديث ( غُرَّا محجلين )
وهذا مما يسمى عند البلاغيين " بإيجاز حذف كلمة "
لو قال قائل : لماذا لم يجب إطالة الغرة ؟ لأنه قال ( فليفعل ) ؟
فيقال : لم يقولوا بالوجوب وإنما قالوا بالاستحباب :،لأنه قيدها بالاستطاعة ، ومعلوم أن كل أحد يستطيع أن يطيل غرَّته ، فدل على أن الاستطاعة ميسرة .
وقال بعض العلماء :
إن هذه الجملة ليست من الحديث ، وإنما هي من قول أبي هريرة رضي الله عنه ، وقد نصَّ على ذلك شيخ الإسلام وابن حجر رحمهما الله وغيرهم من الأئمة على أنها ليست من قول النبي صلى الله عليه وسلم لأمور :
الأمر الأول : أن من روى هذا الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه لم يذكروا هذه الجملة ، فقد رواه عن أبي هريرة رضي الله عنه عشرة ، لم يذكرها عنه إلا " نعيم المُجمر " وقد شك أيضا ، قال " ما أدري هل هذا من قول النبي صلى الله عليه وسلم أم من قول أبي هريرة ؟ "
الأمر الثاني : أن أبا هريرة رضي الله عنه بنفسه كان يختفي وكان لا يحب ألا يطلع عليه أحد إذا زاد عن محل الفرض ، فدل هذا على أنه اجتهاد منه رضي الله عنه .
وأما قولهم [ العبرة بما رأى ] ليس بصحيح ، وإنما القاعدة الصحيحة : [ أن العبرة بما روى الراوي لا بما رأى ]
اللهم إلا إذا كان رأيه لا يخالف الحديث ، فقوله في الحديث أولى .
الأمر الثالث : قال شيخ الإسلام رحمه الله لا يمكن أن تكون هذه الجملة من قول النبي صلى الله عليه وسلم  ، لأن الغرة لا تكون إلا في الجبين ، فلو قلنا بذلك وغسل جزءا من رأسه مما يسمى غرة ، فالغرة لا تكون إلا في الوجه .
ولو قالوا : ماذا تقولون في حديث ( تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء ) ؟
نقول : كما قال شيخ الإسلام رحمه الله : من أن التحلي لا يكون تحليا إلا في الساعد ، ولا تكون الحلية في العضد ولا في المنكب  .
فدل هذا الحديث على أن فيه حثَّاً على أن يحرص المسلم على إبلاغ الوضوء مبلغه الشرعي .
لو قالوا ماذا تقولون فيما جاء عند مسلم :
( أن النبي صلى الله عليه وسلم غسل يده حتى أشرع في العضد ، وغسل قدمه حتى أشرع في الساق ) ؟
نقول كما قال ابن القيم رحمه الله : من أن هذا ليس زيادة على محل الفرض ، وإنما هو استيعاب للفرض ، بحيث يدخل الكعبان ويدخل المرفقان .
ولذلك عند الدارقطني :
( أدار عليه الصلاة والسلام الماء على مرفقيه ) إن صح

إرسال تعليق

 
Top