0
د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
أ
كاديمية سعودية .. جامعة الملك فيصل الدمام
 
علينا ونحن نحاول أن نسهم في رفع الظلم الذي وقع على أبنائنا وحتى بناتنا الطلبة من جراء هذا التصرف، أن ننظر ملياً فيما نتج عنه من إهدار مواردنا البشرية والمالية

عندما جلست للحديث إليكم، كانت أنظاري متوجهة لنطاق آخر يختلف عما أنا بصدده الآن، ولكن ما الحيلة وقد أصابنا الأسبوع المنصرم الابتلاء من جراء ما نال أبناءنا وبناتنا من طلبة الثانوية العامة، لقد خرج الغالبية العظمى منهم من قاعات الامتحان مكبلين بالأغلال، خرجوا وهم يتساءلون عما جنيناه ليفعل بنا ما فعل؟ ما الجرم الذي استحققنا عليه خسارة الأمل الواعد في إكمال حياتنا العلمية؟ ثم كيف يفترض أن نتعامل مع ظرف يهدد حياتنا بالخطر؟ ثم هل عومل الآباء كما عوملنا؟ هل كانوا يرتعشون قبل.. وخلال.. وبعد الخروج من قاعات الامتحانات،هل سيقوا إليها كما يساق المرء إلى كفنه، ثم أين الشعارات الرنانة التي ما فتئنا نسمعها وعلى مدار الساعة أننا حلم الأمس وأمل المستقبل؟ ثم ما العمل وقد كتبت نهايتنا قبل أن نولد..؟
ما أستطيع قوله في خضم هذه الزوبعة، وما أستطيع الاعتراف به إبراء للذمة أننا في زمن لا نئد فيه البنات معاذ الله أن نفعل، نحن نئد المستقبل بأسره رجالا ونساء، نفعل ذلك ونحن نعتقد أننا أثبتنا تفردنا وتفوقنا، ولا أدري ما العلة في هذا هل أصابنا الغرور أم العمى أم أصبحت قلوبنا كالحجارة أم أشد قسوة؟
فعلى سبيل المثال إذا حللنا وضع أسئلة امتحان مادة الرياضيات بنين بصورتها التي أفزعت مدرس المادة قبل الطالب، فسنرى إجماعا انتهى إليه المتخصصون في مجال التعليم النظامي، والمتمتعون بالخبرة في مجال تدريس هذه المادة بالذات، إلا أن أسئلة امتحان هذه المادة تتسم دوما بالصعوبة، ولكنها في وضعها الذي انتهت إليه لا تتوافق ومضامين ما استقبلته عقول الطلبة طيلة عام كامل بل طيلة الأعوام الماضية، ثم سمعنا من يقول إن أساتذة أكاديميين كان لهم دور بارز في إعدادها، بل قيل بوجود اتفاق مسبق بين إدارة التعليم العالي ووزارة التربية والتعليم لتقليص عدد الناجحين من الثانوية العامة بدرجة تفوق، فالقدرة الاستيعابية للجامعات لا تحتمل هذا العدد المتزايد من المتفوقين، فلا امتحان القياس والقدرات أدى ما عليه في هذا المنحى، ولا رفع معدلات القبول عاما بعد عام أدى الغرض، فما زال التفوق السمة العامة لكثير من أبنائنا، وما زال الإقبال على التعليم العالي أمراً واقعاً، وفي تصاعد مستمر، وما زالت الوفود تصل تباعا إلى بوابات الجامعات ومعاهد التعليم العالي،تطلب ود مؤسسات وأكاديميات يفترض أنها الحاضنة الأولى لطموحات فلذات أكبادنا..

ومع أن كل ما قيل في هذا الشأن قائم على الظن الذي لا يغني من الحق شيئا، ومع أن وزارة التربية والتعليم بادرت لاعتماد ترتيب يضمن من خلاله تحسين درجات امتحان هذه المادة بالذات، بعد أن تبين لها خطورة الوضع فقد تحول امتحان مادة الرياضيات بنين لقضية رأي عام، لا قضية خاصة لأسر تحركها العاطفة.
ولكن علينا ونحن نحاول أن نسهم في رفع الظلم الذي وقع على أبنائنا وحتى بناتنا الطلبة من جراء هذا التصرف غير المسؤول، والذي ساهم فيه واضعو الأسئلة ومن وقع على اعتمادها، أن ننظر مليا فيما نتج عنه من إهدار مواردنا البشرية و المالية، ففي المنطقة الشرقية دون غيرها - وعلى حد علمي - امتنع مئات الطلاب من إكمال الامتحانات بعد يومها الأول الذي كان مخصصا لمادة الرياضيات لقد فضلوا الرسوب، عن نجاح عقيم لا يسمن ولا يغني من جوع، هم يعتقدون أن ضياع سنة من حياتهم أهون عليهم من ضياع حياتهم كلها. فالخوف من ضياع فرصة قبولهم في كليات تتناسب وطموحاتهم وتطلعاتهم وضع لا تحتمله نفوسهم ولا أبدانهم..
وهنا أتساءل لقد تمكنت الوزارة بحكمة بعض أفرادها، أحمد المولى سبحانه أنهم موجودون بيننا وأنهم مسموعو الكلمة، من اعتماد بعض الإجراءات بهدف رفع درجات الطلبة في هذه المادة وبشكل عام، ولكن هذه المعادلة خاسرة في بعض جوانبها فقد خسرنا تخرج مئات من الطلبة كان يتوقع تخرجهم هذا العام من الثانوية العامة بتفوق، كان يتوقع إنهاؤهم السنة الأولى من دراستهم الجامعية العام المقبل، هذه الخسارة لم تقع عليهم وحدهم بل وقعت على الوطن بأسره، فنحن بذلك نولد الكره في أبنائنا بدل الولاء والحب، الفشل بدل النجاح، وضع مأساوي لا نجد له حلا، ونأمل ألا نبحث عن حل له في المستقبل، لأننا عازمون على عدم تكرار ما حصل.. بإذن الله

وقبل أن أختم هذه السطور آمل العمل الجاد لمعرفة من وراء هذه النوعية من الأسئلة، ومن ثم إعفائه مجددا في المساهمة في إعداد أمثالها..

أترككم مع قوله صلى الله عليه وسلم : (من يحرم الرفق يحرم الخير) رواه مسلم.

إرسال تعليق

 
Top