0
بسم الله الرحمن الرحيم
 الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا و زدنا علماً، و أرنا الحق حقاً و ارزقنا اتباعه، و أرنا الباطل باطلاً و ارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، و أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
فصل جامع لما يحتمل أن يكون من الكبائر :
1 ـ من لم يحب لأخيه ما يحب لنفسه :
 أيها الأخوة الكرام، بدأنا قبل درسين بالحديث عن الكبائر، وقد أردت أن أجعل من الكبائر الذي يظنها الناس صغائر موضوعاً للدرس، وفي هذا الدرس ننتقل إلى فصل من فصول كتاب الكبائر الذي ألّفه الإمام الذهبي، هذا الفصل جعله آخر فصل في الكتاب، وسماه: فصل جامع لما يحتمل أن يكون من الكبائر، اعتماداً على ما في النص من كلمات معينة يمكن أن تصنف هذا العمل مع الكبائر، فقد قال عليه الصلاة والسلام:
(( لا يُؤمِنُ أحدُكُمْ حتَّى يُحِبَّ لأخيه ما يُحِبُّ لنفسه ))

[ متفق عليه عن أنس ]
 إن أردت أن تجعل هذا من الكبائر النبي عليه الصلاة والسلام ينفي الإيمان عن من لا يحب لأخيه ما يحب لنفسه، وإن أردت ألا تجعل هذا من الكبائر تقول: ينفي النبي عليه الصلاة والسلام الإيمان الكامل، و الأرجح أن المؤمن الحق يحب لأخيه ما يحب لنفسه وفي زيادة لهذا الحديث، ويكره لها ما يكره لنفسه، فهذه علامة الإيمان، أي أخوك الله أكرمه بشراء بيت، وشراء البيت محبب للنفس، بزواج ناجح محبب للنفس، فإذا أحببت أو إذا فرحت له كما لو أن هذا الشيء لك فهذه علامة إيمانك.
2 ـ من لم يحب رسول الله أكثر من أي شيء :
 لذلك المؤمن لا يمكن أن يغدر، ولا يمكن أن يوهم، ولا يمكن أن يخدع، ولا يمكن أن يورط، ولا يمكن أن يسلم غيره إلى ظالم لأنه لا يحب هذا لنفسه، هل هناك من علاقة بالمجتمع أرقى من أن يحب كل فرد من أفراد المجتمع لأخيه ما يحب لنفسه وأن يكره لها ما يكره لنفسه؟، لعمري هذا أعظم شيء في الإيمان، لذلك بعض العلماء قال: من لم يحب لأخيه ما يحب لنفسه ومن لا يكره لها ما يكره لنفسه فليس مؤمناً.
((لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ))

[ متفق عليه عن أنس ]
 كيف؟ أنت لم تلتقِ بالنبي، لم تشاهد طلعته البهية، لم تصغِ إلى حديثه العذب، لم ترَ من كبر قلبه ورحمته وعدله الشيء الكثير، ولكن معنى هذا الحديث أن الذي يؤثر أهله على تطبيق سنة رسول الله في أهله، والذي يؤثر ولده على تطبيق سنة رسول الله في ولده، والذي يؤثر نفسه، يعطيها هواها ولا يتبع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي يؤثر رضا الناس ولا يؤثر رضا رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: هذا ليس مؤمناً.
 معنى ذلك نستنبط أن كل حديثٍ مصدرٍ بقوله عليه الصلاة والسلام لا يؤمن أحدكم أنه من فعل هذا فهو من الكبائر، مثلاً: والله ما آمن، والله ما آمن، والله ما آمن من بات شبعان وجاره جائع وهو يعلم.

3 ـ من لا يأمن جاره بوائقه :
 قيسوا على هذا الحديث ذاك الحديث.
((وَاللَّهِ لا يُؤْمِنُ وَاللَّهِ لا يُؤْمِنُ وَاللَّهِ لا يُؤْمِنُ، قَالُوا وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الْجَارُ لا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا بَوَائِقُهُ قَالَ شَرُّهُ ))

[ مسلم عن أبي هريرة]
 أعرف رجلاً يسكن في طابق أرضي، هذا الطابق الأرضي معه وجيبة كبيرة جداً، لكن من الداخل لا من الخارج، أي البناء على الطريق، الطابق الأرضي له وجيبة كبيرة جداً من الداخل، وفوق هذا الطابق أربعة طوابق، صاحب الطابق الأرضي في وجيبته أنشأ لابنه غرفةً ليتزوج فيها، لو أنها منعت الشمس عن أحدٍ، أو منعت الهواء عن أحد، أو منعت الضياء- النظر- لكان ليس مؤمناً، أما آخر من يسكن في الطابق الرابع لما رأى جاره قد أقام جدارين على جدارين أساسيين ليزوج ابنه في هذه الغرفة أقام عليه النكير، أي أحياناً ترى ضمن البيوت الشكاوى، هؤلاء هم المسلمون، الذي لا يأمن جاره بوائقه ليس مسلماً، الذي لا يأمن جاره بوائقه ليس مؤمناً.
 إذاً لنتعلم أن كل حديث شريف مصدر بقوله صلى الله عليه وسلم: لا يؤمن أحدكم أو والله ما آمن، لنتعلم من يفعل ما نهى عنه النبي، أو من يترك ما أمر به النبي، فقد وقع في كبيرة وهو لا يشعر.

((وَاللَّهِ لا يُؤْمِنُ وَاللَّهِ لا يُؤْمِنُ وَاللَّهِ لا يُؤْمِنُ، قَالُوا وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الْجَارُ لا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا بَوَائِقُهُ قَالَ شَرُّهُ ))

[ مسلم عن أبي هريرة]
 الإمام الذهبي عنون هذا الفصل الأخير: ما يحتمل أنه من الكبائر، إذا لم يحب الإنسان لأخيه ما يحب لنفسه، أو إن لم يكن النبي أحبّ إليه من نفسه وولده والناس أجمعين، أو من لم يكن هواه تبعاً لما جاء به النبي، أو من لا يأمن جاره بوائقه في رأي العلماء ليس مؤمناً بل وقع في كبيرة.
4 ـ من رأى منكراً ولم يغيره :
 و:
(( عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: خَطَبَ مَرْوَانُ قَبْلَ الصَّلاةِ فِي يَوْمِ الْعِيدِ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ إِنَّمَا كَانَتِ الصَّلاةُ قَبْلَ الْخُطْبَةِ، فَقَالَ تَرَى ذَلِكَ يَا أَبَا فُلانٍ فَقَامَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ فَقَالَ أَمَّا هَذَا فَقَدْ قَضَى مَا عَلَيْهِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ رَأَى مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإيمَانِ ))

[ متفق عليه عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ ]
 من لم ينكر هذا المنكر لا بلسانه ولا بيده ولا بقلبه، ماذا؟ وقع في الكبيرة، أي إذا رأيت منكراً ولم تنه عن هذا المنكر، لا بلسانك ولا بقلبك ولا بيدك فقد انتفى عنك الإيمان، لذلك لو كان الإنسان صالحاً إن لم ينكر المنكر قد يهلكه الله عز وجل لقول الله عز وجل:
﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ﴾

[ سورة هود: 117 ]
 ما قال صالحون، الصالحون غير المصلحون يهلكهم الله عز وجل، أما الذين يصلحون الناس فهؤلاء في بحبوحة من أن يهلكوا.
الهلاك عاقبة من لم ينكر المنكر :
 هناك حديث لمسلم هؤلاء الذين يفعلون المنكرات والسيئات والمعاصي، هؤلاء من جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهده بقلبه فهو مؤمن، ليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل، أي إذا لم ينكر قلبه ولا بلسانه ولا بيده ليس في قلبه من الإيمان حبة خردل.
 وقد ورد في بعض الأحاديث أن الله جلّ جلاله حينما أمر بإهلاك قريةٍ أرسل ملائكة العذاب فقالوا: يا رب إن فيها رجلاً صالحاً؟ قال: به فابدؤوا، عجبوا كيف نفعل ذلك يا رب؟ قال: لأنه لم يكن يتمعر وجهه حينما يرى منكراً، معظم الناس تراه يصلي الفجر في المسجد، ناعم، لطيف، وبيته لا يوجد فيه انضباط، يقول: لا علاقة لي، ما هذه الكلمة؟ أنت الأب، أنت المنفق.
 قال لي رجل: منذ ثلاثين سنة ما خرجت خارج دمشق، من البيت إلى المعمل إلا مرة واحدة عندما اشتريت هذه السيارة من اللاذقية، يعمل ليلاً نهاراً ومن أجل تصريف الإنتاج يحتاج إلى جهد كبير جداً، وأهله يرتعون ويمرحون ويفعلون ما يشتهون ولا يرتدعون، هو يعمل ليقدم لهم مادة الشهوات، ليقدم لهم ما يعينهم على المعاصي والآثام فلذلك:

(( مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي إِلا كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ وَيَفْعَلُونَ مَا لا يُؤْمَرُونَ فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الإيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ ))

[مسلم عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ]
 أن تقول: ليس لي علاقة، أولاد أخيك، بنات أخيك، بناتك، بنات أختك، جيرانك، زميلك في العمل، إذا أنت قلت: ليس لي دخل، وسلامتك يا رأسي، وعليك من نفسك، المنكر يستشري، والفساد يتسع، دوائر الباطل تتسع إلى أن تحاصر دوائر الحق، أما إذا وجد أمر بالمعروف ونهي عن المنكر فدوائر الحق تتسع لتحاصر دوائر الباطل.
 أيها الأخوة الكرام، قد تعجبون أن التواصي بالحق ليس من أجل تنمية الحق بل من أجل الحفاظ على وجود الحق، أحياناً يقول لك: نكون أو لا نكون، قضية وجود أو عدم وجود، قضية مصير، فالإنسان حينما ينسحب من ساحة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا ينكر المنكر لا بيده ولا بلسانه ولا بقلبه ليعلم أنه ارتكب كبيرةً، وليس في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان.

5 ـ مَنْ أَعَان علَى ظلم :
 لازلنا في باب ما يحتمل أنه من الكبائر.
((مَنْ أَعَانَ عَلَى خُصُومَةٍ بِظُلْمٍ أَوْ يُعِينُ عَلَى ظُلْمٍ لَمْ يَزَلْ فِي سَخَطِ اللَّهِ حَتَّى يَنْزِعَ ))

[أحمد عن ابْنِ عُمَر]
 أخ محام دخل بدعوى ليست محقة، و وظف علمه وفهمه للقوانين وطلاقة لسانه وفصاحته في الدفاع عن باطل، أو في دحض حق، هل يصدق هذا الأخ المحامي أنه وقع في سخط الله وهو لا يشعر؟ والامتحان صعب، يوجد دعوى يدفع الموكل خمسمئة ألف على حساب الأتعاب، وقد تكون هذه الدعوى ليست محقة، فالمحامي المؤمن يقول: الله الغني معاذ الله أن أدافع عن باطل، معاذ الله أن أدحض الحق.
(( مَنْ أَعَانَ عَلَى خُصُومَةٍ بِظُلْمٍ أَوْ يُعِينُ عَلَى ظُلْمٍ لَمْ يَزَلْ فِي سَخَطِ اللَّهِ حَتَّى يَنْزِعَ ))

[أحمد عن ابْنِ عُمَرَ]
 القاضي شريح له ابن وقد وقع في خصومة مع بعض إخوانه، فجاء أباه وعرض عليه القضية، وقال: هذه هي القضية فإن كنت محقاً فلنرفعها إليك، وإن لم أكن محقاً فسأعطيهم حقهم من دون أن نتخاصم عندك، والله كلام منطقي، ابن يعرض على أبيه القاضي، فلما استمع إليه قال: أنت محق ارفعها إلي، فلما رفعها إليه حكم عليه لصالح خصومه، قال: يا أبت ألم أستشرك؟ قال: بلى ولكني خفت ألا تعطيهم حقهم كما ينبغي فأردت أن ترفعها إليّ لأعطيهم حقهم كما ينبغي.
6 ـ من خبب امرأةً على زوجها :
 هل تصدقون من خبب امرأةً على زوجها.
(( لَيْسَ مِنَّا مَنْ حَلَفَ بِالأمَانَةِ وَمَنْ خَبَّبَ عَلَى امْرِئٍ زَوْجَتَهُ أَوْ مَمْلُوكَهُ فَلَيْسَ مِنَّا ))

[أحمد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ ]
 ماذا قدم لك على الولادة؟ معنى هذا أنه لا يعرف قيمتك، أي كلام يذكر على أذن امرأة لتنفر من زوجها، أو لتزهد في عطائه، أو لتلتفت إلى غيره، الذي تكلم هذا الكلام وقع في كبيرة وهو لا يدري، أحياناً من باب التسلية والمزاح ينتقد هذا البيت، ساحة البيت، موقع البيت، ينتقد هذا الطعام، هذا طعامكم؟ هذا غذاؤكم؟ ماذا يفعل زوجها؟ هذا الذي يخبب امرأة على زوجها أو عبد على سيده وقع في كبيرة وهو لا يشعر، النبي عليه الصلاة والسلام كان يحسن الحسن ويصوبه، ويوهن القبيح ويضعفه.
7 ـ من مات وليس عليه إمام جماعة :
 ومن الأعمال التي يمكن أن تكون من الكبيرة.
(( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ عَامِرٍ يَعْنِي ابْنَ رَبِيعَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ مَاتَ وَلَيْسَتْ عَلَيْهِ طَاعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً فَإِنْ خَلَعَهَا مِنْ بَعْدِ عَقْدِهَا فِي عُنُقِهِ لَقِيَ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَلَيْسَتْ لَهُ حُجَّةٌ أَلا لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ لا تَحِلُّ لَهُ فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ إِلا مَحْرَمٍ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ وَهُوَ مِنَ الاثْنَيْنِ أَبْعَدُ مَنْ سَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ وَسَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ فَهُوَ مُؤْمِنٌ ))

[أحمد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ عَامِرٍ يَعْنِي ابْنَ رَبِيعَةَ عَنْ أَبِيهِ]
 أي ليس له مرجع يرجع إليه، بالتعبير العامي يضرب من رأسه، يوجد مرجع الله سبحانه وتعالى قال:
﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾

[ سورة النحل ]

﴿ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا ﴾

[ سورة الفرقان: 59]
 والنبي يقول:
(( ما خاب من استخار، ولا ندم من استشار، ولا عَالَ مَنِ اقْتَصَدَ ))

[أخرجه الطبراني عن أنس بن مالك ]
 وقال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾

[ سورة التوبة: 119 ]
 وقوله:
﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ﴾

[ سورة الكهف: 28 ]

﴿ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾

[ سورة لقمان : 15 ]
 كم آية؟ اتقوا الله وكونوا مع الصادقين، أي لن تستطيعوا أن تتقوا الله إلا إن كنتم مع الصادقين، أنتم بحاجة إلى بيئة، إلى مجتمع مؤمن يعينكم على طاعة الله، أما إذا إنسان جلس مع مجتمع فاسد، متحلل، متفلت، هذا المجتمع يجذبه إلى معصية، من لوازم الإيمان أن تغير كل الذين يلفتونك عن الله، أن تغير هؤلاء إلى أصدقاء مؤمنين يعينوك على طاعة الله، ويذكرونك إذا نسيت، ويعينوك إن أردت.
ما خاب من استشار :
 الإنسان عندما لا يكون له مرجع يرجع إليه، لم يكن له مستشار، ليس له منهل علمي ينهل منه، ليس له مصدر ديني يعود إليه، هذا الإنسان ضائع، وهذا الإنسان يفتي بعقله المحدود وثقافته المحدودة، ويفتي وهو لا يدري أنه يتبع هواه، ويفتي دون ضابط، ويفتي دون دليل، دون شيء موثق، أما الذي له مرجع، له إمام، له منهل ديني، له إنسان يثق بعلمه وأخلاقه، يسأله من حين لآخر، هذا ما خاب من استشار، هذا يطبق قوله تعالى:
﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾

[ سورة التوبة : 119 ]
 قد نقول: هناك فوائد للاجتماع، فوائد أن تكون مع جماعة مؤمنة، فوائد أن تنضم تحت مجموع المؤمنين، فوائد لا تعد ولا تحصى، لأن المؤمن يأنس بأخيه المؤمن، والأخ المؤمن يقوي أخاه المؤمن، والأخ المؤمن يشد أخاه المؤمن إلى طاعة الله، يصبره إذا أصابته مصيبة، يرفع معنوياته إذا انهارت، يجمعه إذا تشتت، يوصله إذا انقطع، يصبره إذا ضجر، يأخذ بيده إذا قعد، هذا هو المؤمن، فالجماعة رحمة.
الجماعة رحمة :
 أكاد أقول: إن أثمن شيء على الإطلاق أخ مؤمن صادق، ترى علاقات رائعة جداً، أدب، ومحبة، وتضحية، وفداء، ونصح، وتعاون، وتحابب، وتجاور، وتباذل، شيء جميل، وصدقوا أن المؤمن ينطلق من شعار: لست وحدك في الحياة أيها المؤمن، أنت ضمن جماعة، أنت ضمن أسرة، وفعلاً أحياناً أعظم المشكلات تنحل مع المؤمنين، أحياناً التعاون يلقي في قلب المؤمن راحة ما بعدها راحة.
8 ـ أن يأكل الإنسان بمسلم :
 وفي حديث مخيف جداً:
(( مَنْ أَكَلَ بِمُسْلِمٍ أُكْلَةً ، أَطْعَمَهُ اللَّهُ بِهَا أُكْلَةً مِنَ النَّارِ ...))

[الزهد والرقائق لابن المبارك إسناده متصل رجاله ثقات عن الحسن ]
 أي بحثت عن مشكلة وجدتها عند مسلم، وأخبرت عنه أعطوك ثلث المصالحة مبلغ جيد، أنت بنيت هذا المبلغ على حساب أسرة، على تفليس إنسان، هناك أشخاص يرون أن هذا كسباً ذكياً، من أكل بمسلم من أجل أن يأكل أطيب الطعام، من أجل أن يسكن أجمل البيوت، بنى ماله على إيذاء الآخرين، وعلى إدخال الرعب على قلوبهم، لا تبني رزقك على إيذاء الناس، أعرف رجلاً شاباً ناشئاً فتح مشغل قماش، اشترى صفقة قماش من بائع، الفاتورة ليست مشكلة أرسلها لك مرتين ثلاث، فجأة جاؤوا الجمارك، أول ما نشأ كلفوه بغرامة فوق طاقته أصيب بمرض الصرع، ثم اكتشف أن الذي باعه القماش هو الذي بلغ عنه ليأخذ ثلث المصالحة، قبضها باليوم نفسه، ألم يأكل هذا الإنسان بهذا المسلم أكلةً؟ الويل له، وهذا يفعله أناس كثيرون يأكلون الطعام على أنقاض مسلم، أو على أنقاض مؤمن، أو بمال مسلم.
(( ...وَمَنْ لَبِسَ بِأَخِيهِ الْمُسْلِمِ ثَوْبًا ، أَلْبَسَهُ اللَّهُ بِهِ ثَوْبًا مِنَ النَّارِ ...))

[الزهد والرقائق لابن المبارك إسناده متصل رجاله ثقات عن الحسن ]
 الإنسان الذي يؤذي الناس ويبني مجده على أنقاضهم وماله على إفقارهم لا يدري أنه سوف يبطش به بطشةً كبيرة، لأن الله عز وجل يقول:
﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾

[سورة البروج:12]
 مرة قلت لرجل هو في موقع بإمكانه أن يؤذي الناس، قلت له: الله عنده مرض سرطان، تشمع كبد، فشل كلوي، خثرة بالدماغ، الله ألهمني ستة أمراض أو سبعة كل مرض يهد الجبال، هؤلاء كلهم عباد الله وسيسألك الله عن كل ما تفعله بهم، فاتق الله وهيئ لربك جواباً عن كل ما تفعله مع الناس.
(( مَنْ أَكَلَ بِمُسْلِمٍ أُكْلَةً ، أَطْعَمَهُ اللَّهُ بِهَا أُكْلَةً مِنَ النَّارِ ، وَمَنْ لَبِسَ بِأَخِيهِ الْمُسْلِمِ ثَوْبًا ، أَلْبَسَهُ اللَّهُ بِهِ ثَوْبًا مِنَ النَّارِ ...))

[الزهد والرقائق لابن المبارك إسناده متصل رجاله ثقات عن الحسن ]
 أي إذا أنت وجدت ثوباً رخيصاً جداً وجميلاً جداً ثم علمت أنه مسروق هل بإمكانك أن تشتريه؟ مستحيل، إذا علمت أنه مصادر ظلماً هل بإمكانك أن تشتريه؟ فلا تأكل بمسلم أكلةً ولا تكتسي بمسلم كسوةً لئلا تأكل من نار جهنم أو تكسى من نار جهنم.
 لا تبني ثروتك على أنقاض الآخرين، اثنان لا تقربهما، الإشراك بالله والإضرار بالناس، أنت في بحبوحة مادمت مبتعداً عن هذين الشيئين، الإشراك بالله والإضرار بالناس.
 أحياناً إنسان يستغل جهل الناس، يبتزهم وهم لا يشعرون، العملية فورية وهو يستطيع أن يعيش ثلاثين عاماً بلا هذه العملية، شريان واحد مسدود لا يوجد حاجة إلى هذه العملية، عشر سنوات يعيش بأنشط حالة و إذا شريان من خمسة مسدود، إذا فتح القلب وشق الصدر يأخذ مئتين وخمسين ألفاً، ألم يأكل بهذا المسلم أكلةً؟ ألم يبن ثروة على أنقاض هذا المسلم؟.

9 ـ من هجر أخاه سنة :
 هل تصدقون أنه من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه:
((مَنْ هَجَرَ أَخَاهُ سَنَةً فَهُوَ كَسَفْكِ دَمِهِ ))

[أحمد عَنْ أَبِي خِرَاشٍ السُّلَمِيِّ ]
 من الكبائر، نحن في باب من أهم أبواب الكبائر للإمام الذهبي آخر باب ما يحتمل أن يكون من الكبائر، من هجر أخاه سنةً فهو كسفك دمه، من أكل بمسلم أكلة أطعمه الله بها أكلة من نار يوم القيامة، من مات وليس عليه إمام جماعة فإن موتته موتة جاهلية، أذكركم بالأحاديث، من خبب امرأة على زوجها أو عبداً على سيده فليس منا.
10 ـ المكر و الخديعة :
 المكر والخديعة في النار، المكر من الكبائر والخديعة من الكبائر.
11 ـ من لم يحج بيت الله وهو مستطيع :
 رجل صحيح البدن ميسور الحال لا يحج، قال تعالى:
﴿فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ ﴾

[سورة آل عمران:97]
 بعد هذا يقول الله: ومن كفر، ما معنى ومن كفر؟ ما علاقة من كفر بقول الله تعالى ولله على الناس حج البيت؟ أي من لم يحج بيت الله وهو مستطيع في بدنه وماله فقد كفر بهذا الفرض، الذي لا يحج وقع في كبيرة وهو لا يدري، طبعاً إذا الإنسان حج حجة الفريضة هناك أولويات، يقول: لعل تزويج ابني أولى من حجي حجةً نافلة، لعل حل مشكلات المسلمين أولى من حجي حجةً نافلة.
 يقول سيدنا عمر: لقد هممت أن أبعث رجالاً إلى هذه الأمصار فينظروا كل من يحج ممن كانت له استطاعة فيضرب عليه الجزية، معنى هذا أنه ليس مسلماً، هذا كافر عليه جزية، ما هم بمسلمين، ما هم بمسلمين، ما هم بمسلمين، هكذا قال سيدنا عمر.

12 ـ التفريق بين الوالدة و ولدها :
 هل تصدقون أن من الكبائر أن تفرق بين والدة وولدها، عنده أم ليس له غيرها وليست لها غيره، لا نزوج الفتاة إلا في بيت مستقل، لو أن أماً لها أولاد وبنات وزوج لا يوجد مانع، هذا من حقكم، لكن الشاب ممتاز جداً، ويسكن عند أمه، والأم أخلاقها عالية جداً، لا يمكن إلا أن نفرق بين والدة وولدها، إذا يوجد مشكلات لا تحتمل هذا موضوع آخر، وهناك أمهات عاقلات معتدلات، ولكن لمجرد أنها أمه لا نسمح لابنتنا أن تسكن معه، هذا تفريق بين والدة وولدها، لعن الله من فرّق بين والدة وولدها.
(( مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ))

[الترمذي عَنْ أَبِي أَيُّوبَ ]
 وإذا الإنسان فرّق بين الزوج وزوجته، يذهب حتى يسترزق في بلد خليجي إذا ما كان راتبه ستة آلاف درهم أي ثمانون ألفاً تقريباً لا يسمح له أن يحضر زوجته معه، زوجته بالمشرق وهو في المغرب، وهذا بلد إسلامي، فرقنا بين الزوج وزوجته، ماذا يفعل الشيطان؟ الزوجة الأصل أن تكون مع زوجها هكذا سنة الله في خلقه، والزوج مع زوجته، فأي نظام يفرق بين زوجة وزوجها قاس جداً، لابد من أن يكون راتبه ستة آلاف كي يسمح له أن يأتي بزوجته، هو أحد عشر شهراً بلا زوجة وهي أحد عشر شهراً بلا زوج، يضعف الانضباط، زوجها بعيد عنها لأشهر طويلة جداً، فرقنا بين زوجة وزوجها أو بين أم وابنها، هذا من الكبائر.
 سيدنا عمر مرة سمع أنين امرأة تشكو الوحدة وزوجها بالجهاد، فأرسل تعميماً ألا يجمر في البعوث أحد فوق أربعة أشهر مهما كان الجهاد عظيماً، الجهاد في نشر الإسلام، صيانة أسرة مقدم على الجهاد، هذه زوجته ليس لها أحد غيره، أحياناً الأب بنزوة يحجز ابنته عنده ويقول: نريد أن نربيه، لأسباب تافهة، هذا فرق بين زوجة و زوجها، فرق بين أم و ولدها أحياناً، ليس منا من فرق.

((مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ))

[الترمذي عَنْ أَبِي أَيُّوبَ ]

13 ـ مَنْ فَرَّ مِنْ ميراث وَارثه :
 ومن الكبائر:
((مَنْ فَرَّ مِنْ مِيرَاثِ وَارِثِهِ قَطَعَ اللَّهُ مِيرَاثَهُ مِنَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ))

[ابن ماجه عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ]
 وهو على فراش الموت طلقها لا لشيء إلا ليهرب من ميراثها، عشت معها خمساً وثلاثين سنة، كنت في جامع الطاغوسية من شهر جاءت امرأة محجبة قالت لي: أنا أعيش مع زوجي خمساً وثلاثين سنة الآن طلقني، بعضهم يطلقها ليفر من ميراثها.
(( إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ وَالْمَرْأَةُ بِطَاعَةِ اللَّهِ سِتِّينَ سَنَةً ثُمَّ يَحْضُرُهُمَا الْمَوْتُ فَيُضَارَّانِ فِي الْوَصِيَّةِ فَتَجِبُ لَهُمَا النَّارُ قَالَ وَقَرَأَ عَلَيَّ أَبُو هُرَيْرَةَ مِنْ هَا هُنَا ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ ) حَتَّى بَلَغَ ( ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) ))

[الترمذي عَنْ أبي هريرة]
 والله أيها الأخوة، ما أكثر ما يقع المسلمون بهذا، البنات حارمهم، ترك عشرون مليون دولار، عنده خمس بنات وصبي، أخذ الولد وكالة من كل أخوته البنات ولم يعطهم شيئاً بتوجيه من والده قبل أن يموت، قد يعبد الإنسان ربه ستين سنةً قبل أن يموت يخالف منهج الله في الميراث فتجب له النار، هل أنت أحكم من الله عز وجل؟ أعطهم كما تعطي الغلام، قال تعالى:
﴿يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾

[سورة النساء: 11]
 أنت أحكم؟ يجب أن يبقى المال في بيت فلان، لو أعطينا البنات توزع المال بين بقية الأسر، يجب أن يبقى المال في بيتنا، هذه آية أم حديث؟ هذا كلام الشيطان فلذلك:
(( إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ وَالْمَرْأَةُ بِطَاعَةِ اللَّهِ سِتِّينَ سَنَةً ثُمَّ يَحْضُرُهُمَا الْمَوْتُ فَيُضَارَّانِ فِي الْوَصِيَّةِ فَتَجِبُ لَهُمَا النَّارُ ... ))

[الترمذي عَنْ أبي هريرة]
 قال لي أخ اليوم: والدي له دكان كتب ثلثها إلى إحدى بناته، قلت له: كم بنت يوجد عنده؟ لماذا خصّ هذه الفتاة وحدها بثلث هذا المحل؟ قال: لأنها عوراء، فقدت إحدى عينيها في سن مبكرة، قلت له: والله معه حق هذا ليس ظلماً هذا من الحكمة، مادام أعطاها في حياته فهذه أغلب الظن قلّما تتزوج، ليس لها أحد والثلاثة متزوجات، ممكن أن تهب في حياتك لأحد أولادك استثناءً لكن لابد من أن يكون معك حجة لله عز وجل، شيء معقول، وقد قال عليه الصلاة والسلام:
((عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: إِنِّي لَتَحْتَ نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسِيلُ عَلَيَّ لُعَابُهَا فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ أَلا لا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ ))

[ابن ماجه عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ]
 الوارث لا وصية له، كلمة لا يؤمن، ليس منا، والله ما آمن، هذه كلها كبائر، كل هذه الأحاديث تشعر أنها كبيرة.
14 ـ الفحش والبذاءة :
 من كلمات الكبائر إن الله يبغض الفاحش البذيء، كيفما تكلم يدج كلامه، أي كلمة تراه غمز، وهمز، وتأوه، وركز على بعض الحروف، وأشار بيده، هذا الفاحش البذيء إن الله يبغضه، الفحش والبذاءة من الكفر، قال عليه الصلاة والسلام:
(( يا بنيتي، إن هذه الثياب تصف حجم عظامك ))

[ أحمد والطبراني عن أسامة بن زيد]
 كلمة عظام تغري؟ لا، و لكن أي كلمة أخرى تثير الشهوة.
15 ـ رجل ينشر سرّ زوجته :
 هل تصدقون أنه من الكبائر:
((إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِي إِلَيْهِ ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا ))

[مسلم عَنْ أبي سعيد الخدري]
 دائماً يغمز ويلمز ماذا حصل البارحة؟ عملتم قيام ليل؟ ما هذا الكلام الفارغ؟ كل إنسان يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها ماذا قال عنه النبي عليه الصلاة والسلام؟ إن من شر الناس عند الله يوم القيامة.
16 ـ من أتى حائضاً أو امرأة في دبرها :
 ومن الكبائر أنه:
((مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوِ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا أَوْ كَاهِنًا فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ))

[الترمذي عَنْ أبي هريرة]
 قال: لو أن رجلاً اطلع عليك بغير أذن فضربته بحصاة ففقأت عينه ما كان عليك جناح، أي التلصص والنظر إلى بيوت الجيران من على السطوح أحياناً، من خلال النوافذ، ستار زائح قليلاً نظر إلى ما وراء الستار، طرق الباب و وقف وجه الباب، الأدب أن تعطي ظهرك إلى الباب، لينظر فجأةً من خلف الباب، اقتحام النظر هذا أيضاً مما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم.
17 ـ الغلو بالدّين :
 والغلو من الكبائر، مرة كنا نصلي - فيما أذكر قصة من اثنتي عشرة سنة- انتهت الصلاة رجل صاح بأعلى صوته: إن صلاتكم جميعاً باطلة، أعوذ بالله، فقلنا: لماذا؟ قال: لأنه لا يوجد قلنسوات على رؤوسكم، خير إن شاء الله، لكن أنا يوجد عندي طاقية، غلو في الدين، قضية من فروع الدين يكبرها ويجعلها الدين كله، هذا من الكبائر.
 يوجد رجل جاءني يبكي، قال له إمام المسجد: يوجد بالفاتحة أربع عشرة شدة، فعلاً يوجد كذلك، من فاتته شدة واحدة فصلاته باطلة، فوجد نفسه صلاته كلها باطلة لم يضبط الشدة، معنى هذا أن صلاته باطلة كلها، هذا غلو في الدين.
 أحد خطباء المساجد منذ أسبوعين أو ثلاثة ذكر آيات الربا، شيء جميل جداً وذكر أحاديث الربا، وقال: انتبهوا يا أخوان الذي يصرف مئة ليرة بأربع قطع كل قطعة خمس وعشرون فقد أكل الربا، أعوذ بالله، يداً بيد وسواءً بسواء، أعطيت أنت قطعة واحدة وأخذت أربع، ليس سواء بسواء.
 أوقع الناس كلهم بالربا، الغلو بالدين من الكبائر، القضية كما تريد؟ هذه القطعة مكتوب عليها مئة، الأربع قطع يساوون مئة، العملة الورقية سند، إيصال، سند بمئة وأربعة بمئة، أليسوا سواء بسواء؟

((....إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ))

[الترمذي عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ ]

18 ـ من لم يصدق من حلف بالأيمان المغلظة :
(( عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلاً يَحْلِفُ بِأَبِيهِ فَقَالَ لا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ مَنْ حَلَفَ بِاللَّهِ فَلْيَصْدُقْ وَمَنْ حُلِفَ لَهُ بِاللَّهِ فَلْيَرْضَ وَمَنْ لَمْ يَرْضَ بِاللَّهِ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ ))

[متفق عليه عَنِ ابْنِ عُمَرَ ]
 رجل حلف لك بالأيمان المغلظة و وضع يده على كتاب الله ولم ترض أنت لست مسلماً، إنسان مسلم أمامك حلف لك بالله و وضع يده على كتابه ولم تقبل، فصل دقيق جداً.
19 ـ من ضيع من يقوت :
 و:
(( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ ))

[أبو داود عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ]
 يقول لك: يا أخي أخرج قبل أن يستيقظوا وأعود وهم نائمون، أكل درجة أولى، البراد ممتلئ، تربيتهم، وصلاتهم، واستقامتهم، ومعرفتهم بالله، والأخذ بيدهم إلى الله ورسوله النبي ما نفى عنه أنه يطعمهم.
((.. كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ ))

[أبو داود عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ]
 يطعمهم، النبي أثبت له أنه يطعمهم ما أنكر عليه ولكن ضيعهم في دينهم.
((عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ بِحَسْبِ الْمَرْءِ مِنَ الْكَذِبِ أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ ))

[مسلم عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ ]
20 ـ أن يحدث الإنسان ما سمع دون تحقق :
 هناك حالات طلاق أساسها قصة شاعت من دون تحقق، من دون دليل، من دون تبصر، إنسان نقلها وهو لا يعلم، ونقلها للزوج وهو لا يعلم، طلق امرأته، لذلك قال عليه الصلاة والسلام:
((.. بِحَسْبِ الْمَرْءِ مِنَ الْكَذِبِ أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ ))

[مسلم عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ ]

21 ـ الظلم :
 ومن الكبائر الظلم، قال عليه الصلاة والسلام:
((عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: اتَّقُوا الظُّلْمَ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاتَّقُوا الشُّحَّ فَإِنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَمَلَهُمْ عَلَى أَنْ سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمَهُمْ ))
[مسلم عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ]
22 ـ الحسد :
 والحسد أيضاً من الكبائر، قال عليه الصلاة والسلام:
(( إِيَّاكُمْ وَالْحَسَدَ فَإِنَّ الْحَسَدَ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ أَوْ قَالَ الْعُشْبَ ))

[أبو داود عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ]

23 ـ التباغض :
((لا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا أَوَلا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ أَفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ ))

[مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ]
 معنى التباغض من الكبائر.
 عرض سريع، التباغض من الكبائر، والحسد من الكبائر، والظلم من الكبائر، والشح والظلم من الكبائر، وأن تحدث بكل ما سمعت من الكبائر، وأن تضيع من تقوت من الكبائر، ومن لم يرض لمن حلف له بالله، والغلو في الدين، والتلصص على بيوت المسلمين وتتبع عوراتهم من الكبائر، ومن أتى حائضاً أو امرأة في دبرها من الكبائر، ورجل ينشر سر زوجته يفضي إليها وتفضي إليه وينشر سرها من الكبائر، والفحش والبذاءة والمزح الجنسي من الكبائر، أن توصي لوارث من الكبائر، أن تضار بالوصية من الكبائر، أن تفر من ميراث زوجتك فتطلقها من الكبائر، أن تفرق بين والدة و ولدها من الكبائر، أن يأكل الإنسان بمسلم من الكبائر، ومن خبب امرأة على زوجها وعبد على سيده من الكبائر، ومن أعان على خصومة بغير حق من الكبائر، ومن رأى منكراً ولم يغيره لا بيده ولا بلسانه ولا بقلبه من الكبائر، ومن لا يأمن جاره بوائقه فقد وقع في الكبائر، ومن لم يكن هواه تبعاً لما جاء به النبي فقد وقع في الكبائر، ومن لم يحب رسول الله أكثر مما يحب أهله وولده وماله والناس أجمعين فقد وقع في الكبائر، ومن لم يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الكبائر، وهذا الفصل الذي عقده الإمام الذهبي في آخر كتاب الكبائر وسماه: "فصل جامع لما يحتمل أن يكون من الكبائر" يجب أن نأخذ علماً بهذه النقاط الدقيقة جداً التي يفعلها معظم المسلمين ولا ينتبهوا أنها من الكبائر، بل إنها أكبر الكبائر.

والحمد لله رب العالمين

إرسال تعليق

 
Top