د.مصطفى ابوسعد
@drmostafa64
@drmostafa64
بسم الله الرحمن الرحيم
إن تأديب الطفل من خلال المحبة يعني برمجة سلوكية إيجابية تبدأ بالشعور الداخلي والعاطفة القوية التي تضمن استمرارية السلوك وبناءه على أسس متينة، بخلاف التأديب بالتخويف الذي قد يعطي نتائج على المدى القريب، لكنه لا يحدث الأثر نفسه الناتج عن المحبة والاقتناع والشعور الداخلي.
عوامل مساعدة لبناء المحبة المتبادلة:
1- المودة و الرحمة أساس العلاقة بين الآباء و الأبناء.
2- التقدير و الاحترام المتبادلان.
3- التقليد من الأبناء فطرة و تلك مسؤولية كبرى على الآباء.
4- الاحتكاك المباشر و حضور الوالدين ضرورة لا بدّ منها.
الإعجاب بداية الطريق:
الإعجاب هو أساس المحبة و لا يحب الإنسان بدون إعجاب. و ذلك كان المطلوب من الآباء والأمهات الاعتناء بسلوكهم اليومي ومظهرهم لينالوا إعجاب الأبناء.
نحن المسلمين لنا نظرية تختلف عن غيرنا، فالإعجاب يأتي نتيجة للتماثل. فالابن يعجب بأبيه لينهل من سلوكه و يتعلم من رجولته. والبنت تتعلم من أمها وتعجب بها لتنهل منها خصائص الأنوثة.
وهذا خلاف ما يعتقده و يؤكده الغربيون و من انساق وراءهم ممن يعتبرون الإعجاب يتم بين الولد وأمه و البنت وأبيها منطلقين من أساطير يونانية قديمة تبناها بعض الأطباء النفسانيين (فرويد) وعدوها عقداً إنسانية (عقدة أوديب – إلكترا). و الحمد لله أن هذه النظريات الشاذة انهدمت في محاضنها و انكسرت علمياً قبل أن تنكسر دينياً و خلقياً.
الشكر عمل وسلوك: (اعملوا آل داود شكراً)
الشكر سلوك يومي في حياة الأسرة و هو اعتراف متبادل بين المحسن و المتلقي. و الإكثار من الشكر يولد بعد الإعجاب شعوراً بالمحبة. لذلك فإن الحب هو ثمرة إعجاب مع شكر. و لذلك كان الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم ثمرة محبة.
و حبه هو الإعجاب به، و هذا ما تؤكده الآثار الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
- ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار. رواه البخاري.
- لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ إليه من والده و ولده و الناس أجمعين. رواه البخاري.
هذه كلها أحاديث تؤسس لعملية الاقتداء والتأديب النبوي الذي ينطلق من أساس حب الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يتحول إلى سلوك عملي و ممارسات يومية لا إلى أشعار ومناسبات واحتفالات.
و مما نستخلصه من حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي جعل حبه و حب الله سبحانه و تعالى يفوق حب ما سواهما شرطاً لكمال الإيمان، التأسيس لعملية التأديب بالمحبة.
عبّر لابنك عن المحبة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أحب أحدكم أخاه فليخبره أنه يحبه. رواه أبو داود في سننه (كتاب الأدب).
إن العلم بمحبة الآخرين حاجة نفسية لدى الإنسان مهما كان عمره. والطفل أولى وأحوج إلى أن يسمع هذه الكلمة ويستمتع بدفئها و سعادتها.
كثيراً ما سمعت أناساً يشكون من أن آباءهم أو أزواجهم لا يعبرون لهم أبداً عن حبهم، أو لا يفعلون ذلك إلا نادراً. ولكنني لم أسمع أبداً شخصاً واحداً يشكو من أن أبويه أو أي شخص آخر قال له كثيراً: ( إنني أحبك).
و لا أتخيل أن هناك شيئاً أسهل من قول (أحبك) و لكن الكثيرين لا يقولون هذه الكلمة بصرف النظر عن الأسباب. قد يعتقد البعض أن الشخص الذي يحبه لا يحتاج إلى سماع هذه الكلمة أو يريدها، أو إنه لن يصدقها. و ربما يكون العناد أو الخجل هو الذي يمنعنا من أن نقول ذلك.
مهما كانت الأسباب فلا يوجد مبرر لهذا، بل إن هناك العديد من الأسباب المهمة التي تحثنا على إخبار الآخرين بأننا نحبهم. و لا فرق بين أن تكون قد سمعت هذه الكلمة كثيراً أم لم تسمعها، إذ يبقى الاستماع إلى كلمة (أحبك) يجعل الناس يشعرون بالراحة، فهي تذكرهم بأنهم ليسوا وحدهم، و بأنك تهتم بهم، و ترتفع بتقديرهم لأنفسهم، وتعطيك أنت أيضاً شعوراً بالارتياح. و هذه الكلمة من أقوى الكلمات المؤثرة على النفس. فالشخص الذي يشعر بحب الآخرين له (لأنهم أخبروه بذلك) يمكن له أيضاً أن يمنح الحب في المقابل، ويكتسب الثقة الهادئة.
إذا ما عبّرنا لأطفالنا لهم عن حبنا إياهم سعدوا، وابتهجوا، وأحبونا بالمقابل، وإذا ما أحبونا اتخذونا قدوة ومثلاً، فكان ذلك لهم تربية بالحب.
التعبير لا يخدش وقارك:
لكن –ويا للأسف– يخطئ كثير من الآباء والأمهات، فيظن أحدهم أنه إذا عبّر عن حبه لابنه أو ابنته بقوله له أو لها: (إني أحبك) أو بتقبيله، أو تقبيلها، أن ذلك سيهدد مكانته عند ابنه أو ابنته، وسيجعل سلطته عليهما أضعف.
فما أكثر الذين لا يذكرون يوماً سمعوا فيه كلمة حب واحدة من والديهم، ولا يذكرون يوماً قبّلهم فيه آباؤهم أو أمهاتهم،إذ يقبل هؤلاء الآباء والأمهات أولادهم عندما يكونون صغاراً في سنواتهم الأولى، وما إن يصبح أولادهم أكثر وعياً حتى يتوقفوا عن إظهار علامات الحب لهم من تقبيل، وعناق، واعتراف بالحب باللسان.
مخطئون كثيراً هؤلاء الآباء والأمهات، لأن التعبير عن الحب يرفع من مكانتنا في نفوس أولادنا، و يجعلهم أكثر طاعة لنا، و أكثر حرصاً على إرضائنا.
روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قَبَّل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي، وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالساً، فقال الأقرع: إنّ لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحداً، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: (من لا يَرحم لا يُرحم).
و روى البخاري أيضاً في صحيحه عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: تُقبلون الصبيان؟ فما نقبلهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( أو أملك لك أن نزع الله من قلبك الرحمة).
أمّا إن كان المقصود من التعبير عن الحب مطالبة المحبوب بواجبات يظنها المحب حقاً له على المحبوب لمجرد أنه يحبه، فإن هذا التعبير يصبح خبراً غير سار، فلئن أحبني شخص ما فإنه هو المسؤول عن ذلك، وحبه لي لا يلزمني بشيء تجاهه إلزاماً، ولا يجعل له حقوقاً علي، إلاّ إن أنا بادلته حباً بحب، فعندها يلزمني حبي له (لا حبه لي) أن أهتم به وأرعاه، وهذا ينطبق على أولادنا مثلما ينطبق علينا –نحن معشر الكبار-.
إرسال تعليق