وقوله: " تحبّ العفو " أي أنّ اللَّه تعالى يُحبّ أسماءه وصفاته، ويُحبّ من عبيده أن يتعبَّدوه بها، ويعملوا بمقتضاها، وبمضامينها. وهذا المطلب في غاية الأهميّة، وذلك أنّ الذّنوب إذا تُرِكَ العقاب عليها يأمن العبد أن ينزلَ اللَّه تعالى عليه المكاره والشّدائد، حيث أنّ الذّنوب والمعاصي من أعظم ما هى اسباب إنزال المصائب، وإزالة النّعم في الدّنيا، أمّا في الآخرة فإنّ العفو يترتّب عليه حسن الجزاء في دخول النّعيم المقيم. ولا يخفى في تقديم التّوسل باسمين كريمين للَّه تعالى قبل سؤاله أنّ في ذلك أهميّةً جليلةً في إنزال العطاء المرجوّ منه تعالى.
شرح مفرداته
اللّهم: كلمة تستعمل في النّداء مثل يا الله، للدّلالة على تيقّن المجيب بالإجابة.
عَفُوّ: ورد اسم الله تعالى العفُوّ في القرآن الكريم خمس مرّات، أربع منها مع اسمه الغفور، ومرّةٌ مع اسمه القدير، ومن ذلك قوله تعالى:" فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً "، النّساء/43 . وقوله تعالى:" فَأُوْلَـئِكَ عَسَى اللّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللّهُ عَفُوّاً غَفُوراً "، النّساء/99 .
كريم: وردت هذه الصفة في بعض روايات الحديث، والكريم من أسماء الله تعالى وصفاته، ورد في القرآن الكريم في موضعين، في قوله تعالى:" وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ "، النمل/40 ، وفي قوله تعالى:" يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ "، الإنفطار/6 ، وقال ابن منظور: الكَريم من صفات الله وأَسمائه، وهو كثير الخير، الجَوادُ المُعْطِي، الذي لا يَنْفَدُ عَطاؤه، وهو الكريم المطلق. والكَريم هو الجامع لأَنواع الخير والشّرَف والفَضائل. والكَرِيم: اسم جامع لكل ما يُحْمَد، فالله عزّ وجلّ كريم، حميد الفِعال، وربّ العرش الكريم العظيم.
تُحبّ العفو: قال الخطّابي: العفو هو الصّفح عن الذّنوب وترك مجازاة المُسيء. وقيل إنّ العفو مأخوذ من عفت الريح الأثر إذا درسَته، فكأنّ العافي عن الذّنب يمحوه بصفحه عنه.
الحكمة منه
تخصيص اسم الله تعالى العفُوّ تأكيداً لمكانة هذه الليلة المباركة، التي يعفو الله تعالى فيها عن العباد.
إحساس العبد بالذّنب واعترافه بالخطأ والتّقصير يجعله يتضرّع إلى الله تعالى بطلب العفو.
استشعار حسن الظنّ بالله تعالى، فيعمر قلب المؤمن بالرّجاء.
إلحاح العبد بهذا الدّعاء فيه إظهار لافتقار العبد لربّه، و تذلـله بين يديه، وتعلّقه بمرضاته سبحانه وتعالى.
معنى اسم الله العفوّ
الاسم السّادس والسّتون من أسماء الله الحُسنى، وقد ورد في الأحاديث الصّحيحة التي ذكَّر فيها النبيّ عليه الصّلاة والسّلام أصحابه بأسماء الله الحسنى، والعفوُّ مشتقّ من العَفْو، ومعنى المصدر في المعاجم اللغويَّة: القصدُ لتناولِ الشّيء. والعفوُ أقلُّ من الصّفحِ، لأنَّ الصّفح أبلغ من العفوِ، والصّفحُ لا تأنيب معه، فقد أعفو عن إنسان وأُؤنِّبه. وقد يعفو إنسانٌ ولا يصفح.
ومعنى العفوُّ أي الذي يمحو السّيئات، ويتجاوز عن المعاصي، وهو قريبٌ من اسم الغفور ولكنّه أبلغ منه، لأنّ الغفران ينبّئ عن السّتر، والعفو ينبّئ عن المحو، والمحو أبلغ من السّتر. فالعفو في حقّ الله عزّ وجلّ عبارة عن إزالة آثار الذّنوب بالكليّة، قال تعالى:" فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ "، الفرقان/70 . وقد جاء ذكر العفو في آيات مختلفةٍ في القرآن الكريم، منها قوله تعالى:" إِن تُبْدُواْ خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوَءٍ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا "، النّساء/149 .
ليلة القدر
ليلةُ القدرِ هي ليلةٌ مباركةٌ ذكرها الله تعالى في القرآن، وليسَ إدراكها أمراً خاصّاً بالنّبي -صلّى الله عليه وسلّم- وحدهُ، بل يمكن لكلّ مسلمٍ قامَ رمضانَ أو العشر الأواخر منه أن يدركَ ليلة القدر، وذلك أنّ النّبي -صلّى الله عليه وسلّم- أمرَ بالتماسها في العشر الأواخر من رمضان، كما في الحديث المتّفق عليه. وأمّا عن حقيقتها فهي ليلةٌ ذاتُ فضلٍ وشرفٍ، فقد اختصّها الله عزّ وجلّ بالمنزلة العالية من بين الليالي. وسمّيت بليلة القدر لأنّها ذاتُ قدرٍ وشرفٍ، أو أنّه تقدّرُ أرزاق العباد وآجالهم فيها على وفق ما سبق به علمُ الله، قال تعالى:" فيها يفرق كل أمرٍ حكيم "، الدّخان/4 .
وأمّا عن أوصافها فقد وصفها الله بأنّها مباركةٌ:" إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ "، الدّخان/3 ، وقد خصّها الله تعالى بإنزال القرآنِ فيها، وجعلها خيراً من ألف شهر، وأخبر أنّ الملائكةَ تتنزّلُ فيها بأمرِ الله عزّ وجلّ، قال تعالى:" إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ*وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ*لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ*تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ*سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ". ويجب أن تكون العبادة من صلاة، ودعاء، وذكر، وتسبيح، وقراءة قرآن، وصلاة على النّبي، والإكثار من هذا الدعاء، حيث قال النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال:" من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفِر له ما تقدّم من ذنبه "، خرّجه البخاريّ ومسلم .
أدعية مستحبّة فيها
اللّهم إنّا نستعينك ونستهديك، ونستغفرك ونتوب إليك، ونتوكّل عليك، ونثني عليك الخير كلّه، نشكرك ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك.
اللّهم لك الحمد بكل نعمة أنعمت بها علينا، في قديم أو حديث، أو خاصّة أو عامة، أو سرّ أو علانية، لك الحمد بالإسلام، ولك الحمد بالإيمان، ولك الحمد بالقرآن، ولك الحمد على ما يسّرت لنا من إتمام القرآن، والتّوفيق للصّيام والقيام، لك الحمد كثيراً كما تنعم كثيراً، ولك الشّكر كثيراً كما تجزل كثيراً، لك الحمد على نعمك العظيمة وآلائك الجسيمة، لك الحمد بكل نعمك علينا يا ربّ العالمين، لك الحمد على ما أتممت علينا شهرنا، وعلى ما يسّرت لنا من إتمام قرآننا يا ربّ العالمين، لك الحمد على نعمك العظيمة وآلائك الجسيمة، حيث أرسلت إلينا احسن وأفضل رسلك، وأنزلت إلينا احسن وأفضل كتبك، وشرّعت لنا احسن وأفضل شرائعك، وجعلتنا من خير أمّة أخرجت للنّاس، وهديتنا لمعالم دينك التي ليس بها التباس.
لا إله إلا الله، المتوحّد في الجلال، في كمال الجمال تعظيماً وتكبيراً، المتفرّد بتصريف الأمور على التّفصيل والإجمال تقديراً وتدبيراً، لك الحمد كالذي نقول وخيراً ممّا نقول، ولك الحمد كالذي تقول، ولك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضا.
اللّهم إنّا عبيدك، بنو عبيدك، بنو إمائك، ناصيتنا بيدك، ماضٍ فينا حكمك، عدل فينا قضاؤك، نسألك اللّهم بكل اسم هو لك، سمّيت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علّمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء أحزاننا، وذهاب همومنا وغمومنا، وقائدنا وسائقنا إلى رضوانك، وإلى جنّات النّعيم.
إرسال تعليق